ثم إن العبد لما كان مأمورا بملاحظة الاسباب وعدم الاعتماد عليها والتوكل على الله قال أولا ما يلزمه من الحزم والتدبير ، ثم تبرأ عن الاعتماد على الاسباب بقوله : « وما أغنى عنكم من الله من شئ » ثم إنه تعالى صدقه على ماذكره من عدم الاعتماد على الاسباب بقوله تعالى : « ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم » أي من أبواب متفرقة في البلد « ماكان يغني عنهم » رأي يعقوب واتباعهم له « من الله من شئ » مما قضاه عليهم كما قال يعقوب ، فاخذ بنيامين بوجدان الصواع في رحله ، وتضاعفت المصيبة على يعقوب « إلا حاجة في نفس يعقوب » استثناء منقطع ، أي ولكن حاجة في نفسه ، يعني شفقته عليهم وخوفه من أن يعانوا إو غير ذلك ممامر « قضاها » أي أظهرها ووصى بها « وإنه لذو علم لما علمناه » بالوحي ونصب الحجج ولذلك قال : « وما أغنى عنكم من الله من شئ » ولم يغتر بتدبيره « ولكن أكثر الناس لا يعلمون » أسرار القدر. (١)
٩ ـ فس : فخرجوا وخرج معهم بنيامين ، وكان لا يؤاكلهم ولا يجالسهم ولا يكلمهم فلما وافوا مصردخلوا على يوسف وسلموا فنظر يوسف إلى أخيه فعرفه فجلس منهم بالبعيد ، (٢) فقال يوسف : أنت أخوهم؟ قال : نعم ، قال : فلم لا تجلس معهم؟ قال : لانهم أخرجوا أخي من أبي وامي ثم رجعوا ولم يردوه وزعموا أن الذئب أكله فآليت على نفسي أن لا أجتمع معهم على أمر ما دمت حيا ، قال : فهل تزوجت؟ قال : بلى ، قال : فولد لك ولد؟ قال : بلى ، قال : كم ولد لك؟ (٣) قال : ثلاثة بنين ، قال : فما سميتهم؟ قال : سميت واحدا منهم الذئب ، وواحدا القميص ، وواحدا الدم ، قال : وكيف اخترت هذه الاسماء؟ قال : لئلا أنسى أخي ، كلما دعوت واحدا من ولدي (٤) ذكرت أخي ، قال يوسف لهم : اخرجوا وحبس بنيامين ، فلما خرجوا من عنده قال يوسف لاخيه : « أنا أخوك » يوسف « فلا تبتئس بما كانوا يمعلون » ثم قال له : أنا أحب أن تكون عندي ، فقال : لا يدعونى إخوتي فإن أبي قد أخذ عليهم عهد الله وميثاقه أن يردوني إليه ، قال : فأنا أحتال بحيلة فلا تنكر
__________________
(١) انوار التنزيل ١ : ٢٣٣ و ٢٣٤. وفيه : سر القدر وانه لا يغنى عنه الحذر. م
(٢) في نسخة وفى المصدر : فجلس منهم بالبعد.
(٣) في نسخة : كم ولدك؟
(٤) في نسخة : كلما دعوت واحدا من أولادى.