عن سرعة الشيب إليك قبل أوان المشيب ، وعن بكائك وذهاب بصرك ، فظن يعقوب أن ذلك مكر منهم فقال لهم : يابني بئس العادة عادتكم ، كلما خرجتم في وجه نقص منكم واحد ، لا أرسله معكم ، فلما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم من غير علم (١) منهم أقبلوا إلى أبيهم فرحين قالوا : ياأبانا ما رأى الناس مثل هذا الملك أشد اتقاء للاثم منه ، رد علينا بضاعتنا مخافة الاثم ، وهي بضاعتنا ردت إلينا ، ونمير أهلنا ، (٢) ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير ; قال يعقوب : قد علمتم أن ابن يامين أحبكم إلي بعد أخيكم يوسف وبه انسي ، وإليه سكوني من بين جماعتكم ، فلن ارسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم ، فضمنه يهودا فخرجوا حتى وردوا مصر فدخلوا على يوسف (ع) فقال لهم : هل بلغتم رسالتي؟ قالوا : نعم وقد جئناك بجواابها مع هذا لغلام فسله عما بدالك ، قال له يوسف : بما أرسلك أبوك إلي يا غلام؟ قال : أرسلني إليك يقرؤك السلام ويقول : إنك أرسلت إلي تسألني عن حزني ، وعن سرعة الشيب إلي قبل أوان المشيب ، وعن بكائي وذهاب بصري ، فإن أشد الناس حزنا وخوفا أذكرهم للمعاد ، وإنما أسرع الشيب إلي قبل أوان المشيب لذكر يوم القيامة ، وأبكاني وبيض عيني الحزن على حبيبي يوسف ، وقد بلغني حزنك بحزني واهتمامك بأمري ، فكان الله لك جازيا ومثيبا ; وإنك لن تصلني بشئ أنا أشد فرحا به من أن تعجل علي ولدي ابن يامين ، فإنه أحب أولادي إلي بعد يوسف ، فاونس به وحشتي ، وأصل به وحدتي ، تعجل علي بما أستعين به علي عيالي. فلما قال هذا خنقت يوسف عليهالسلام العبرة ولم يصبر حتى قام فدخل البيت وبكى ساعة ثم خرج إليهم وأمر لهم بطعام ، وقال : ليجلس كل بني ام على مائدة ، فجلسوا وبقي ابن يامين قائما ، فقال له يوسف : مالك لم تجلس؟ فقال له : ليس لي فيهم ابن أم ، فقال له يوسف : أفما كان لك ابن ام؟ فقال له ابن يامين : بلى ، فقال له يوسف : فما فعل؟ قال : زعم هؤلاء أن الذئب أكله ، قال : فما بلغ من حزنك عليه؟ قال : ولد لي اثنا عشر ابنا كلهم اشتق له اسما من اسمه ،
__________________
(١) في نسخة : بغير علم.
(٢) أى نجلب اليهم الطعام. منه رحمهالله.