نحن أولاد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن ، ونحن من جبل كنعان ، قال يوسف : ولد كم إذا ثلاثة أنبياء ، وما أنتم بحلماء ، ولا فيكم وقار ولا خشوع ، فلعلكم جواسيس لبعض الملوك جئتم إلى بلادي؟! فقالوا : أيها الملك لسنا بجواسيس ولا أصحاب الحرب ، ولو تعلم بأبينا إذالكرمنا عليك ، فإنه نبي الله وابن أنبيائه ، وإنه لمحزون ، قال لهم يوسف : فمما حزنه وهو نبي الله وابن أنبيائه ، والجنة مأواه ، وهو ينظر إليكم في مثل عددكم وقوتكم؟ فلعل حزنه إنما هو من قبل سفهكم وجهلكم وكذبكم و كيدكم ومكركم؟ قالوا : أيها الملك لسنا بجهال ولا سفهاء ولا أتاه الحزن من قبلنا ، ولكن كان له ابن كان أصغرنا سنا يقال له يوسف فخرج معنا إلى الصيد فأكله الذئب ، فلم يزل بعده كئيبا حزينا باكيا ، فقال لهم يوسف عليهالسلام : كلكم من أب واحد؟ قالوا : أبونا واحد وامهاتنا شتى ، قال : فما حمل أباكم على أن سرحكم (١) كلكم إلا حبس منكم واحدا يأنس به ويستريح إليه؟ قالوا : قد فعل ، قد حبس منا واحدا هو أصغرنا سنا ، قال : ولم أختاره لنفسه من بينكم؟ قالوا : لانه أحب أولاده إليه بعد يوسف.
فقال لهم يوسف (ع) : إني أحبس منكم واحدا يكون عندي وارجعوا إلى أبيكم و اقرؤوه مني السلام وقولوا له : يرسل إلي بابنه الذ زعمتم أنه حبسه عنده ليخبرني عن حزنه ما الذي أحزنه؟ وعن سرعة الشيب إليه قبل أوان مشيبه؟ وعن بكائه وذهاب بصره ، فلما قال هذا اقترعوا بينهم فخرجت القرعة على شمعون ، (٢) فأمر به فحبس ، فلما ودعوا شمعون قال لهم : يا إخوتاه انظروا ماذا وقعت فيه ، واقروؤا والدي مني السلام ; فودعوه وساروا حتى وردوا الشام ودخلوا على يعقوب (ع) وسلموا عليه سلاما ضعيفا ، فقال لهم : يا بني ما لكم تسلمون سلاما ضعيفا؟ ومالي لا أسمع فيكم صوت خليلي شمعون؟ قالوا : يا أبانا إنا جئناك من عند أعظم الناس ملكا ، لم ير الناس مثله حكما وعلما وخشوعا وسكينة ووقارا ، ولئن كان لك شبيه فإنه لشبيهك ، ولكنا أهل بيت خلقنا للبلاء أتهمنا الملك وزعم أنه لا يصدقنا حتى ترسل معنا بابن يامين برسالة منك يخبره عن حزنك و
__________________
(١) أى ارسلكم واطلقكم.
(٢) وقيل : إن يوسف اختار شمعون لانه كان احسنهم رأيا فيه. منه رحمهالله.