يصبر حتى قام فدخل البيت فبكى ساعة ثم خرج إليهم فقالوا له : « يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا بيضاعة مزجاة (١) فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين » فقال لهم يوسف : « هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون * قالوا أئنك لانت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين * قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين * قال لا تثريب عليكم (٢) اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ».
ثم أمرهم بالانصراف إلى يعقوب وقال لهم « اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين » فهبط جبرئيل على يعقوب عليهالسلام فقال : يا يعقوب ألا اعلمك دعاء يرد الله عليك به بصرك ، ويرد عليك ابنيك؟ قال : بلى ، قال : قل ما قاله أبوك آدم فتاب الله عليه ، وما قاله نوح فاستوت به سفينته على الجودي ونجا من الغرق وما قاله أبوك إبراهيم خليل الرحمن حين ألقي في النار فجعله الله عليه بردا وسلاما ، فقال يعقوب : وما ذاك يا جبرئيل؟ فقال : قل : « يارب أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين أن تأتيني بيوسف وابن يامين جميعا وترد علي عيني » فما استتم يعقوب هذا الدعاء حتى جاء البشير فألقى قميص يوسف عليه فارتد بصيرا ، فقال لهم : « ألم أقل لكم إني أعلم من الله مالا تعلمون * قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين * قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم » فروي في خبر عن الصادق عليهالسلام أنه قال : أخرهم إلى السحر ، فأقبل يعقوب إلى مصر وخرج يوسف ليستقبله فهم بأن يترجل ليعقوب ثم ذكر ما هو فيه من الملك فلم يفعل ، فنزل عليه جبرئيل عليهالسلام فقال له : يا يوسف إن الله عز وجل يقول لك : ما منعك أن تنزل إلى عبدي الصالح؟ ما كنت فيه؟ ابسط يدك ، فبسطها فخرج من بين أصابعه نور ، فقال : ما هذا يا جبرئيل؟ فقال : هذا إنه لا يخرج من صلبك نبي أبدا عقوبة بما صنعت بيعقوب إذ لم تنزل إليه فقال يوسف : « ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين * ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا » فقال يوسف ليعقوب : « يا أبت
__________________
(١) أى قليلة ، أو بضاعة رديئة برغب عها كل تاجر.
(٢) أى لا تقريع ولا تعيير عليكم. والتثريب : هو الاستقصاء في اللوم والتوبيخ.