هذا تأويل رؤياي من قبل قدجعلها ربي حقا » إلى قوله : « توفني مسلما وألحقني بالصالحين » فروي في خبر عن الصادق عليهالسلام أنه قال : دخل يوسف السجن وهو ابن اثنتي عشرة سنة ، ومكث فيه (١) ثمان عشرة سنة ، وبقي بعد خروجه ثمانين سنة ، فذلك مائة سنة وعشر سنين.(٢)
توضيح : « وذلك كيل يسير » قال البيضاوي : أي مكيل قليل لايكفينا ، استقلوا ما كيل لهم فأرادوا أن يضاعفوه بالرجوع إلى الملك ويزدادوا إليه ما يكال لاخيهم ، ويجوز أن يكون الاشارة إلى « كيل بعير » أي ذلك شئ قليل لايضايقنا فيه الملك ولا يتعاظمه ; وقيل : إنه من كلام يعقوب ومعناه : وإن حمل بعير شئ يسير لا يخاطر لمثله بالولد. قوله تعالى : « خلصوا نجيا » أي تخلصوا واعتزلوا متناجين انتهى. (٣)
وقال السيد قدس الله روحه : فإن قيل : ما الوجه في طلى يوسف عليهالسلام أخاه من إخوته ثم حبسه له عن الرجوع إلى أبيه مع علمه بما يلحقه عليه من الحزن؟ وهل هذا إلا إضرار به وبأبيه؟ قلنا : الوجه في ذلك ظاهر ، لان يوسف عليهالسلام لم يفعل ذلك إلا بوحي من الله تعالى إليه ، وذلك امتحان منه لنبيه يعقوب عليهالسلام وابتلاء لصبره وتعريض للعالي من منزله الثواب ، ونظير ذلك امتحانه عليهالسلام بأن صرف عنه خبر يوسف طول تلك المدة حتى ذهب بصره بالبكاء عليه ، وإنما أمرهم يوسف عليهالسلام بأن يلطفوا بأبيهم في إرساله من غير أن يكذبوه أو يخدعوه. فإن قيل : أليس قد قالوا له : « سنراود أباه » و المراودة هي الخداع والمكر؟ قلنا : ليس المراودة على ماظننتم ، بل هي التلطف والتسبب والاحتيال ، وقد يكون ذلك من جهة الصدق والكذب جميعا ، وإنما أمرهم بفعله على أحسن الوجوه ، فإن خالفوه فلا لوم إلا عليهم.
فإن قيل : فما بال يوسف لم يعلم أباه عليهالسلام بخبره لتسكن نفسه ويزل وجده مع علمه بشدة تحرقه وعظم قلقه؟ قلنا : في ذلك وجهان : أحدهما أن ذلك كان له ممكنا وكان عليه قادرا فأوحى الله تعالى إليه بأن يعدل عن اطلاعه على خبره ، تشديدا للمحنة
__________________
(١) في نسخة : ومكث فيها.
(٢) امالى الصدوق : ١٤٩ ـ ١٥٢. م
(٣) انوار التنزيل ١ : ٢٣٣. م