الحدوث ، فلم ترك إبراهيم عليهالسلام الاستدلال على حدوثها بالطلو ، وعول في إثبات هذا المطلوب على الافول؟ والجواب أنه لا شك أن الطلوع والغروب يشتركان في الدلالة على الحدوث إلا أن الدليل الذي يحتج به الانبياء في معرض دعوة الخلق كلهم إلى الاله لابد وأن يكون ظاهرا جليا بحيث يشترك في فهمه الذكي والغبي والعاقل ، ودلالة الحركة على الحدوث وإن كانت يقينية إلا أنها دقيقة لا يعرفها إلا الافاضل من الخلق ، وأما دلالة الافول فكانت على هذا المقصود أتم ; وأيضا قال بعض المحققين : الهوي في خطيرة الامكان أفول ، (١) وأحسن الكلام ما يحصل فيه حصة الخواص وحصة الاوساط وحصة العوام ، فالخواص يفهمون من الافول الامكان ، وكل ممكن محتاج ، والمحتاج لا يكون مقطعا للحاجة ، (٢) فلابد من الانتهاء إلى ما يكون منزها عن الامكان حتى تنقطع الحاجات بسبب وجوده كما قال : « وأن إلى ربك المنتهى » (٣) وأما الاوساط فإنهم يفهمون من الافول مطلق الحركة ، فكل متحرك محدث ، وكل محدث فهو محتاج إلى القديم القادر ، فلا يكون الآفل إلها بل الاله هو الذي احتاج إليه هذا الآفل ، وأما العوام فإنهم يفهمون من الافول الغروب وهم يشاهدون أن كل كوكب يقرب من الافول ، فإنه يزول نوره وينتقص ضوؤه ويذهب سلطانه ويصير كالمعدوم ، ومن كان كذلك فإنه لم يصلح للالهية ، فهذه الكلمة الواحدة أعني قوله : « لا احب الآفلين » كلمة مشتملة على نصيب المقربين وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال ، فكانت أكمل الدلائل و أفضل البراهين ، وفيه دقيقة اخرى وهي أنه عليهالسلام إنما كان يناظرهم وهم كانوا منجمين ، ومذهب أهل النجوم أن الكواكب إذا كان في الربع الشرقي ويكون صاعدا إلى وسط السماء كان قويا عظيم التأثير ، وأما إذا كان غريبا وقريبا من الافول فإنه يكون ضعيف الاثر ، قليل القوة ، فنبه بهذه الدقيقة على أن الاله هو الذي لا يتغير قدرته إلى العجز ، وكماله إلى النقص ، ومذهبكم أن الكوكب حال كونه في الربع الغربي يكون ضعيف القوة ، ناقص التأثير ، عاجزا عن التدبير ، وذلك يدل على القدح في إلهيته ، فظهر أن
__________________
(١) في المصدر : في خطرة الامكان. م
(٢) في المصدر : مقطوع الحاجة. م
(٣) النجم : ٤٢.