على قول المنجمين للافول مزيد اختصاص في كونه موجبا للقدح في الالهية انتهى. (١)
أقول : يمكن إرجاع كلامه عليهالسلام إلى الدليل المشهور بين المتكلمين من عدم الانفكاك عن الحوادث ، والاستدلال به على إمكانها وافتقارها إلى المؤثر ، أو إلى أنها محل للتغيرات والحوادث ، والواجب تعالى لايكون كذلك ، أو إلى أن الافول والغروب نقص وهو لا يجوز على الصانع ، أو إلى أن هذه الحركة الدائمة المستمرة تدل على أنها مسخرة لصانع كما مر في كتاب التوحيد ، والعقل يحكم بأن الصانع مثل هذا الخلق لا يكون مصنوعا ، أو أن الغيبة والحضور والطلوع والافول من خواص الاجسام ويلزمها الامكان لوجوه شتى ، ولعل الوجه الثاني والثالث بتوسط ما ذكره الرازي أخيرا أظهر الوجوه ، وأما ماسواهما فلايخفى بعدها ، ولنقتصر على ذلك فإن بسط القول في تلك البراهين يوجب الاطناب الذي عزمنا على تركه في هذا الكتاب.
الخامسة. تأويل قوله تعالى : « بل فعله كبيرهم » ويمكن توجيهه بوجوه :
الاول : ما ذكره السيد المرتضى قدس الله روحه وهو أن الخبر مشروط غير مطلق لانه قال : « إن كانوا ينطقون » ومعلوم أن الاصنام لا تنطق ، وأن النطق مستحيل عليها ، فما علق بهذا المستحيل من الفعل أيضا مستحيل ، وإنما أراد إبراهيم عليهالسلام بهذا القول تنبيه القوم وتوبيخهم وتعنيفهم بعبادة من لا يسمع ولا يبصر ولا ينطق ولا يقدر أن يخبر عن نفسه بشئ ، فقال : إن كانت هذه الاصنام تنطق فهي الفاعلة للتكسير ، لان من يجوز أن ينطق يجوز أن يفعل ، وإذا علم استحالة النطق عليها علم استحالة الفعل ، وعلم باستحالة الامرين أنه لا يجوز أن تكون آلهة معبودة ، وأن من عبدها ضال مضل ، ولا فرق بين قوله : إنهم فعلوا ذلك إن كانوا ينطقون وبين قوله : إنهم ما فعلوا ذلك ولا غيره لانهم لا ينطقون ولا يقدرون ، وأما قوله : « فاسئلوهم » فإنما هو أمر بسؤالهم أيضا على شرط ، والنطق منهم شرط في الامرين فكأنه قال : إن كانوا ينطقون فاسألوهم فإنه لا يمتنع أن يكونوا فعلوه ، وهذا يجري مجرى قول أحدنا لغيره : من فعل هذا الفعل؟ فيقول : زيد إن كان فعل كذا وكذا ، ويشير إلى فعل يضيفه السائل إلى زيد ، وليس في الحقيقة من فعله ويكون غرض المسؤول نفي الامرين عن زيد ، وتنبيه السائل على خطائه في إضافة
__________________
(١) مفاتيح الغيب ٤ : ٨٠ وفيه : للقدح في الهيته. م