« وأن لا تعلوا » أي لا تتجبروا « أن ترجمون » أي من أن ترموني بالحجارة ، وقيل : أراد به الشتم كقولهم : ساحر كذاب « وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون » أي إن لم تصدقوني فاتركوني لا معي ولا علي ، وقيل : معناه : فاعتزلوا أذاي « فأسر » أي فقال الله مجيبا له : أسر « إنكم متبعون » أي سيتبعكم فرعون بجنوده « رهوا » أي ساكنا على ما هو به إذا قطعته وعبرته ليغرق فرعون ، وقيل : « رهوا » أي منفتحا منكشفا حتى يطمع فرعون في دخوله ، وقيل أي كما هو طريقا يابسا « مغرقون » سيغرقهم الله « ونعمة » أي تنعم وسعة في العيش « كانوا فيها فاكهين » أي بها ناعمين متمتعين(١) « كذلك » قال الطبرسي : أي كذلك أفعل بمن عصاني « وأورثناها قوما آخرين » أي بني إسرائيل « فما بكت عليهم السماء والارض(٢) » أي لم يبك عليهم أهل السماء والارض ، أو المراد به المبالغة في وصف القوم بصغر القدر ، فإن العرب إذا أخبرت عن عظيم المصاب بالهالك قالت : بكاه السماء والارض ، أو كناية عن أنه لم يكن لهم في الارض عمل صالح يرفع منها إلى السماء.
وقد روي عن ابن عباس أنه سئل عن هذه الآية فقيل : وهل يبكيان على أحد؟ قال : نعم مصلاه في الارض ، ومصعد عمله في السماء.
وروى زرارة بن أعين عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : بكت السماء على يحيى بن زكريا
_________________
(١) مجمع البيان ٩ : ٦٣ ـ ٦٤. م
(٢) قال السيد الرضى قدس الله روحه : في معناها أقوال : أحدها البكاء بمعنى الحزن ، فكانه قال : فلم تحزن عليهم السماء والارض بعد هلاكهم وانقطاع آثارهم ، والتعبير عن الحزن بالبكاء لان البكاء يصدر عن الحزن في أكثر الاحوال ، ومن عادة العرب أن يصفوا الدار اذا ظعن عنها سكانها وفارقها قطانها بأنها باكية عليهم ومتوجعة لهم على طريق معنى المجاز بمعنى ظهور علامات الخشوع والوحشة عليها وانقطاع اسباب النعمة والانسة منها.
ثانيها أن يكون المعنى : لو كانت السماوات والارض من الجنس الذى يصح منه البكاء لم تبكيا عليهم إذ كان الله عليهم ساخطا.
ثالثها قيل : معنى ذلك : ما بكى عليهم من السماوات والارض ما يبكى على المؤمن عند وفاته من مواضع صلواته ومصاعد اعماله على ما ورد به الخبر. ووجه آخر أن يراد اهل السماء والارض. رابعها : أن يكون المعنى : لم ينتصر أحد لهم ولم يطلب طالب بثارهم.