لنأتينك اليوم بسحر لم تر مثله ، وقالوا : بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون ، وكانوا قد جاؤوا بالعصي والحبال تحملها ستون بعيرا ، (١) فلما أبوا إلا الاصرار على السحر قالوا لموسى : إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى؟ قال : بل ألقوا أنتم ، فألقوا حبالهم وعصيهم فإذا هي حيات كأمثال الجبال قد ملات الوادي يركب بعضها بعضا تسعى ، فذلك قوله تعالى: « يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى * فأوجس في نفسه خيفة موسى » وقال : والله إن كانت لعصيا في أيديهم ولقد عادت حيات وما يعدون عصاي هذه ، أو كما حدث نفسه(٢) فأوحى الله تعالى إليه : « لا تخف إنك أنت الاعلى * وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى » ففرج عن موسى و ألقى عصاه من يده فإذا هي ثعبان مبين ، كأعظم ما يكون أسود مدلهم(٣) على أربع قوائم قصار غلاظ شداد ، وهو أعظم وأطول من البختي ، وله ذنب يقوم عليه فيشرف فوق حيطان المدينة رأسه وعنقه وكاهله ، لا يضرب ذنبه على شئ إلا حطمه وقصمه ، و يكسر بقوائمه الصخور الصم الصلاب ، ويطحن كل شئ ، ويضرم حيطان البيوت بنفسه نارا ، وله عينان تلتهبان نارا ، ومنخران تنفخان سموما ، وعلى مفرقه شعر كأمثال الرماح ، وصارت الشعبتان له فما سعته اثنا عشر ذراعا ، وفيه أنياب وأضراس ، وله فحيح وكشيش وصرير وصريف ، فاستعرضت ما ألقى السحرة من حبالهم وعصيهم وهي حيات(٤) في عين فرعون وأعين الناس ، تسعى تلقفها وتبتلعها واحدا واحدا حتى ما يرى بالوادي قليل ولا كثير مما ألقوا ، وانهزم الناس فزعين هاربين منقلبين ، فتزاحموا وتضاغطوا ووطئ بعضهم بعضا حتى مات منهم يومئذ في ذلك الزحام ومواطئ الاقدام خمسة وعشرون ألفا ، و
_________________
(١) قال اليعقوبى : فعملوا من جلود البقر حبالا مجوفة وعصيا مجوفة ويزوقونها ويصيرون فيها الزيبق ثم أحموا المواضع التى أرادوا أن يلقوا فيها الحبال والعصى ، ثم جلس فرعون فالقى السحرة حبالهم وعصيهم فلما حمى الزيبق تحرك ومشت الحبال والعصى.
(٢) في المصدر : فلما حدث نفسه. م
(٣) في المصدر : كأعظم ما يكون من الثعابين ، اسود مدلهم. م
(٤) في المصدر : وهى تخيل. م