« بكفرهم » أي بسبب كفرهم ، وذلك لانهم كانوا مجسمة أو حلولية ولم يروا جسما أعجب منه ، فتمكن في قلوبهم ما سول لهم السامري « قل بئسما يأمركم به إيمانكم » (١) بالتوراة ، والمخصوص بالذم محذوف نحو هذا الامر أو ما يعمه وغيره من قبائحهم المعدودة في الآيات الثلاث « إن كنتم مؤمنين » تقرير للقدح في دعواهم الايمان بالتوراة ، وتقدير : إن كنتم مؤمنين بها ما أمركم بهذه القبائح ورخص لكم فيها إيمانكم بها ، أو إن كنتم مؤمنين بها فبئس ما أمركم إيمانكم بها ، فإن المؤمن ينبغي أن لا يتعاطى إلا ما يقتضيه إيمانه ، لكن الايمان بها لا يأمر به فإذن لستم بمؤمنين.(٢)
« ميثاق بني إسرائيل » قال الطبرسي : أي عهدهم المؤكد باليمين بإخلاص العبادة له والايمان برسله وما يأتون به من الشرائع « وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا » أي أمرنا موسى بأن يبعث من الاسباط الاثني عشر اثني عشر رجلا كالطلائع يتجسسون ويأتون بني إسرائيل بأخبار أرض الشام وأهلها الجبارين ، فاختار من كل سبط رجلا يكون لهم نقيبا ، (٣) أي أمينا كفيلا ، فرجعوا ينهون قومهم عن قتالهم لما رأوا من شدة بأسهم و عظم خلقهم إلا رجلين : كالب بن يوفنا ويوشع بن نون ، وقيل : معناه : أخذنا من كل سبط منهم ضمينا بما عقدنا عليهم الميثاق في أمر دينهم ، أو رئيسا أو شهيدا على قومه ، وقيل : إنهم بعثوا أنبياء « وقال الله إني معكم » الخطاب للنقباء أو لبني إسرائيل ، أي إني معكم بالنصر والحفظ ، إن قاتلتموهم ووفيتم بعهدي وميثاقي « وعزرتموهم » أي نصرتموهم ، وقيل : عظمتموهم وأطعتموهم « وأقرضتم الله » أي أنفقتم في سبيل الله نفقة حسنة « فمن كفر بعد ذلك » أي بعد بعث النقباء وأخذ الميثاق « فقد ضل سواء السبيل » أي أخطأ قصد الطريق الواضح وزال عن منهاج الحق.(٤)
_________________
(١) قال السيد : هذه استعارة لان الايمان على الحقيقة لا يصح عليه النطق ، والامر انما يكون بالقول ، فالمراد ان الايمان انما يكون دلالة على ضد الكفر والضلال ، وترغيبا في اتباع الهدى والرشاد ، وانه لا يكون ترغيبا في سفاهة ولا دلالة على ضلالة ، فأقام تعالى ذكر الامر ههنا مقام ذكر الترغيب والدلالة على طريق المجاز والاستعارة ، إذ كان المرغب في الشئ والمدلول عليه قد يفعله كما يفعله المأمور به والمندوب إليه.
(٢) انوار التنزيل ١ : ٣١.
(٣) النقيب : شاهد القوم وضمينهم وعريفهم وسيدهم.
(٤) مجمع البيان ٣ : ١٧١.