به لانه لم يفارقهم لما فعلوا ذلك ولم يلحق بموسى ، وكان إذا فارقهم ينزل بهم العذاب ، ألا ترى أنه قال له موسى : يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن أفعصيت أمري؟ قال هارون : لو فعلت ذلك لتفرقوا ، وإني خشيت أن تقول لي : فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي.
قال الصدوق رحمهالله : أخذ موسى برأس أخيه ولحيته أخذه برأس نفسه ولحية نفسه على العادة المتعاطاة للناس إذا اغتم أحدهم أو أصابته مصيبة عظيمة وضع يده على رأسه ، وإذا دهته داهية عظيمة قبض على لحيته ، فكأنه أراد بما فعل أن يعلم هارون أنه وجب عليه الاغتمام والجزع بما أتاه قومه ، ووجب أن يكون في مصيبته بما تعاطوه ، لان الامة من النبي والحجة بمنزلة الاغنام من راعيها ، ومن أحق بالاغتمام بتفريق الاغنام وهلاكها من راعيها وقد وكل بحفظها واستعبد بإصلاحها ، وقد وعد الثواب على ما يأتيه من إرشادها وحسن رعيها ، واوعد العقاب على ضد ذلك من تضييعها؟ وهكذا فعل الحسين بن علي عليهماالسلام لما ذكر القوم المحاربين له بحرماته فلم يرعوها قبض على لحيته وتكلم بما تكلم به ، وفي العادة أيضا أن يخاطب الاقرب ويعاتب على ما يأتيه البعيد ليكون ذلك أزجر للبعيد عن إتيان ما يوجب العقاب ، وقد قال الله عزوجل لخير خلقه وأقربهم منه صلى الله عليه وآله : « لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين(١) » وقد علم عزوجل أن نبيه صلى الله عليه وآله لا يشرك به أبدا ، وإنما خاطبه بذلك وأراد به امته ، وهكذا موسى عاتب أخاه هارون وأراد بذلك امته اقتداء بالله تعالى ذكره ، واستعمالا لعادات الصالحين قبله وفي وقتة.(٢)
بيان : قال الجوهري : بنو العلات : هم أولاد الرجل من نسوة شتى.
وقال السيد رضياللهعنه : إن قيل : ما الوجه في قوله تعالى : « وأخذ برأس أخيه » الآية؟ أو ليس ظاهر الآية يدل على أن هارون أحدث ما أوجب إيقاع ذلك الفعل به؟ وبعد فما الاعتذار لموسى عليهالسلام من ذلك وهو فعل السخفاء والمتسرعين ، وليس من عادة
_________________
(١) الزمر : ٦٥.
(٢) علل الشرائع : ٣٤ ـ ٣٥.