« وأن ألق عصاك » إنما أعاد سبحانه هذه القصة وكررها في السور تقريرا للحجة على أهل الكتاب واستمالة بهم إلى الحق ، ومن أحب شيئا أحب ذكره ، والقوم كانوا يدعون محبة موسى عليهالسلام ، وكل من ادعى اتباع سيده مال إلى ذكره بالفضل ، (١) على أن كل موضع من مواضع التكرار لا يخلو من زيادة فائدة « فلما رآها تهتز » أي تتحرك « كأنها جان » من سرعة حركتها أو شدة اهتزازها « ولى مدبرا » موسى « ولم يعقب » أي لم يرجع ، فنودي : « يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين » من ضررها « اسلك يدك » أي أدخلها « من غير سوء » أي من غير برص « واضمم إليك جناحك من الرهب » أي ضم يدك إلى صدرك من الخوف فلا خوف عليك ، عن ابن عباس ومجاهد ، والمعنى أن الله سبحانه أمره أن يضم يده إلى صدره فيذهب ما أصابه من الخوف عند معاينة الحية ، وقيل : أمره سبحانه بالعزم على ما أراده منه وحثه على الجد فيه لئلا يمنعه الخوف الذي يغشاه في بعض الاحوال فيما أمره بالمضي فيه ، وليس يريد بقوله : « اضمم يدك » الضم المزيل للفرجة بين الشيئين ، وقيل : إنه لما ألقى العصا وصارت حية بسط يده كالمتقي وهما جناحاه فقيل له : « اضمم إليك جناحك » أي ما بسطته من يدك لانك آمن من ضررها ، ويجوز أن يكون معناه اسكن ولا تخف فإن من هاله أمر أزعجه حتى كأنه يطيره ، وآلة الطيران الجناح ، فكأنه عليهالسلام قد بلغ نهاية الخوف(٢) فقيل له : ضم منشور جناحك من الخوف واسكن ، وقيل : معناه : إذا هالك أمر يدك لما تبصر من شعاعها فاضممها إليك لتسكن « فذانك برهانان » أي اليد والعصا حجتان من ربك على نبوتك مرسلا بهما إلى فرعون وملائه.
قوله : « هو أفصح مني لسانا » إنما قال ذلك لعقدة كانت في لسانه « فأرسله معي ردءا » أي معينا لي على تبليغ رسالتك « يصدقني » أي مصدقا لي على ما أوديه من الرسالة
_________________
(١) في المصدر : مال إلى من ذكره بالفضل.
(٢) قال السيد الرضى قدسسره : الجناح هنا عبارة عن اليد ، وقيل : معنى ذلك اى سكن روعك وخفض جأشك من الرهب الذى أصابك ، والرعب الذى داخلك عند انصلاب العصا في هيئة الجان ، ولما كان من شأن الخائف القلق والانزعاج والتململ والاضطراب صار ضم الجناح عبارة عن السكون بعد القلق والامان بعد الغرق.