جعل الله تعالى رزقه في إبهامه يمصه لبنا ، فألقى الله حبه في قلبها وأحبه فرعون ، (١) فلما أخرجوه عمدت بنت فرعون إلى ما كان يسيل من ريقه فلطخت به برصها فبرئت ، فقبلته وضمته إلى صدرها ، فقال الغواة من قوم فرعون : أيها الملك إنا نظن أن ذلك المولود الذي تحذر منه من بني إسرائيل هو هذا ، رمي به في البحر فرقا منك ، (٢) فهم فرعون بقتله فاستوهبته آسية فوهبه لها ، ثم قال لها : سميه ، فقالت : سميته موشى لانه وجد بين الماء والشجر.
قالوا : وقالت ام موسى لاخته ـ وكانت تسمى مريم ـ : قصيه ، أي اتبعي أثره واطلبيه هل تسمعين له ذكرا؟ أحي ابني أم قد أكلته دواب البحر؟ ونسيت وعد الله تعالى « فبصر به عن جنب وهم لا يشعرون » أنها اخته.(٣) فلما امتنع أن يأخذ من المراضع ثديا قالت : « هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون » فلما أتت بامه ثار إلى ثديها حتى امتلا جنباه ، فقالت : امكثي عندي ترضعين ابني هذا ، فقالت : لا أستطيع أن أدع
_________________
(١) إلى هنا سقط عن العرائس المطبوع بمصر.
(٢) أى خوفا منك.
(٣) في المصدر : عن جنب أى عن بعدوهم لا يشعرون أنها اخته. وفى المصدر هنا زيادة لم تكن في نسخة المؤلف قدسسره أو اراد الاختصار ، ونحن نوردها بألفاظها وهى هذه : وكانت آسية قد أرسلت إلى من حولها من كل انثى بها لبن لتختار له ظئرا تربى موسى ، فجعل كلما أخذته امرأة منهن لترضعه لم يقبل ثديها حتى أشفقت آسية أن يمتنع من اللبن فيموت ، فأحزنها ذلك فأمرت به فاخرج إلى السوق لتجتمع عليه الناس ترجو أن تصيب له ظئرا يقبلها ويأخذ ثديها ويرضع منها ، فلم يقبل ثدى امرأة فذلك قوله عزوجل « وحرمنا عليه المراضع من قبل » فقالت اخت موسى حين أعياهم أمره وأعيا الظؤورة : « هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون » فأخذوها وقالوا لها : وما يدريك بنصحهم له؟ ولعلك قد عرفت هذا الغلام فدلينا على أهله ، فقالت : ما أعرفهم ، وانما نصحهم له وشفقتهم عليه من أجل رغبتهم في ظؤورة الملك ورجاء منفعته ، فتركوها ، فانطلقت إلى امها فاخبرتها بالخبر فأتت ، فلما وضعتها على ثديها في حجرها نزل اللبن من ثديها حتى ملا جنبيه ، فانطلق البشير إلى آسية يبشرها أن قد وجدنا لابنك ظئرا ، فارسلت اليها فأتى بها ، فلما رأت ما يصنع بها قالت لها : امكثى عندى.