أظهره الله تعالى ، كما قال في موضع آخر : « إني أنا الله رب العالمين * وأن ألق عصاك » إلى آخره.
وقيل : إنه لما رأى شجرة خضراء من أسفلها إلى أعلاها يتوقد فيها نار بيضاء ، وسمع تسبيح الملائكة ورأى نورا عظيما لم تكن الخضرة تطفئ النار ولا النار تحرق الخضرة تحير وعلم أنه معجز خارق للعادة وأنه لامر عظيم ، فالقيت عليه السكينة ، ثم نودي : « أنا ربك فاخلع نعليك » قد مر تفسيره « إنك بالواد المقدس » أي المبارك أو المطهر « طوى » هو اسم الوادي ، وقيل : سمي به لانه قدس مرتين ، فكأنه طوى بالبركة مرتين.
« وأنا اخترتك » أي اصطفيتك بالرسالة « فاستمع لما يوحى » إليك من كلامي وأصغ إليه « وأقم الصلوة لذكري » أي لان تذكرني فيها بالتسبيح والتعظيم ، أو لان أذكرك بالمدح والثناء ، وقيل : معناه : وصل لي ولا تصل لغيري ، وقيل : أي أقم الصلاة متى ذكرت أن عليك صلاة ، كنت في وقتها أو لم تكن ، عن أكثر المفسرين ، وهو المروي عن أبي جعفر عليهالسلام « إن الساعة آتية » يعني إن القيامة قائمة لا محالة « أكاد اخفيها » أي اريد أن اخفيها(١) عن عبادي لئلا تأتيهم إلا بغتة ، وروي عن ابن عباس » أكاد اخفيها من نفسي « وهي كذلك في قراءة ابي ، وروي ذلك عن الصادق عليهالسلام ، والتقدير : إذا كدت اخفيها من نفسي فكيف أظهرها لك؟ وهذا شائع بين العرب ، وقال أبوعبيدة : معنى
_________________
(١) قال السيد الرضى قدس الله روحه : سمعت من شيخنا أبى الفتح النحوى أن الذى عليه حذاق أصحابنا أن ( أكاد ) ههنا على بابها من معنى المقاربة ، إلا أن قوله تعالى : ( اخفيها ) يؤول إلى معنى الاظهار ، لان المراد به أكاد أسلبها خفاءها ، والخفاء : الغشاء والغطاء مأخوذ من خفاء القربة وهو الغشاء الذى يكون عليها ، فاذا سلب عن الساعة غطاؤها المانع من تجليها ظهرت للناس فرأوها ، فكأنه تعالى قال : أكاد اظهرها ، قال لى : وأنشدنى أبوعلى بيتا هو من انطق الشواهد على الغرض الذى رمينا إليه ، وهو قول الشاعر :
لقد علم الايقاظ أخفية الكرى |
|
نزججها من حالك واكتحالها |
ومعناه : لقد علم الايقاظ عيونا ، فجعل العين للنوم في أنها مشتملة عليه كالخفاء للقربة في انه مشتمل عليها ، ويمكن أن يكون أيضا ( أكاد ) بمعنى اريد ، ويكون المعنى إن الساعة آتية اريد أستر وقت مجيتها لما في ذلك من المصلحة.