ثم اعلم أنهم اختلفوا في مرجع الضمير في قوله : « توارت بالحجاب » وقوله : « ردوها علي » إذ يجوز بحسب ظاهر اللفظ إرجاع الضميرين إلى الشمس وإن لم يجر لها ذكر بقرينة المقام ولذكر ماله تعلق بها وهو العشي وإلى الخيل والاول إلى الشمس والثاني إلى الخيل وبالعكس فقيل : بإرجاعهما جميعا إلى الشمس كما مر فيما رواه الصدوق ، وروى الطبرسي رحمه الله عن ابن عباس أنه قال : سألت عليا عليهالسلام عن هذه الآية ، فقال : مابلغك فيها يا ابن عباس؟ فقلت : سمعت كعبا يقول : اشتغل سليمان بعرض الافراس حتى فاتته الصلاة ، فقال : ردوها علي يعني الافراس ، وكانت أربعة عشر فأمر بضرب سوقها و أعناقها بالسيف فقتلها ، فسلبه الله ملكه أربعة عشر يوما لانه ظلم الخيل بقتلها. فقال علي عليهالسلام : كذب كعب ، لكن اشتغل سليمان بعرض الافراس ذات يوم لانه أراد جهاد العدو حتى توارت الشمس بالحجاب ، فقال بأمر الله تعالى للملائكة الموكلين بالشمس : ردوها علي ، فردت فصلى العصر في وقتها ، وإن أنبياء الله لايظلمون ولا يأمرون بالظلم لانهم معصومون مطهرون. (١)
وقيل : بإرجاعهما معا إلى الخيل وفيه وجهان : الاول أنه أمر بإجراء الخيل حتى غابت عن بصره فأمر بردها فمسح سوقها وأعناقها صيانة لها وإكراما لما رأى من حسنها ، فمن عادة من عرضت عليه الخيل أن يمر يده على أعرافها وأعناقها وقوائمها ، ويمكن أن يكون الغرض من ذلك المسح بيان أن إكرامها وحفظها مما يرغب فيه ، لكونها من أعظم الاعوان على دفع العدو ، أو أنه أراد أن يظهر أنه في ضبط السياسة والملك يتصنع إلى حيث يباشر أكثر الامور بنفسه ، أو أنه كان أعلم بأحوال الخيل وأمراضها وعيوبها فكان يمسحها ويمسح سوقها وأعناقها حتى يعلم هل فيها مايدل على المرض.
الثاني : أن يكون المسح ههنا هو الغسل فإن العرب تسمي الغسل مسحا ، فكأنه لما رأى حسنها أراد صيانتها وإكرامها فغسل قوائمها وأعناقها.
وقيل : بإرجاع الاول إلى الشمس والثاني إلى الخيل وهذا يحتمل وجوها :
الاول : ماذكره السيد (٢) رضاللهعنه أن المراد أنه عرقبها ومسح سوقها و
__________________
(١) مجمع البيان ٨ : ٤٧٥ مفاتيح الغيب ٧ : ١٣٦.
(٢) راجع تنزيه الانبياء : ٩٤.