ـ أعناقها بالسيف من حيث شغلته عن النافلة ، (١) ولم يكن ذلك على سبيل العقوبة لها ، لكن حتى لا يتشاغل في المستقبل بها عن الطاعات ، لان للانسان أن يذبح فرسه لاكل لحمه ، فكيف إذا انضاف إلى ذلك وجه آخر لحسنه. (٢)
وقد قيل : إنه يجوز أن يكون لما كانت الخيل أعز ماله أراد أن يكفر عن تفريطه في النافلة بذبحها والتصدق بلحمها على المساكين ، قالوا : فلما رأى حسن الخيل وراقته (٣) وأعجبته أراد أن يتقرب إلى الله بالمعجب له الرائق في عينه ، ويشهد بصحة هذا المذهب قوله تعالى : « لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ».
الثاني : أنه مسح سوقها وأعناقها وجعلها مسبلة (٤) في سبيل الله.
الثالث : أن يكون قوله : « حتى توارت بالحجاب » بيانا لغاية عرض الخيل واستعادته بها ، من غير أن يكون فات عنه بسببها شئ ، وإنما أمر بردها إكراما لها كما مر ، وعلى هذا فقوله : « أحببت حب الخير عن ذكر ربي » يحتمل وجهين ذكرهما الرازي في تفسيره. (٥)
الاول : أن يضمن أحببت معنى فعل يتعدى بعن ، كأنه قيل : أبنت حب الخير عن ذكر ربي وهو التوراة ، لان ارتباط الخيل كما أنه في القرآن ممدوح فكذلك في التوراة ممدوح.
الثاني : أن الانسان قد يحب شيئا ولكنه لايحب أن يحبه ، كالمريض الذي يشتهي ما يضره في مرضه ، وأما من أحب شيئا وأحب أن يحبه كان ذلك غاية المحبة فقوله : « أحببت حب الخير » أي أحببت حبي لهذه الخيل ، ثم قال : « عن ذكر ربي » بمعنى أن هذه المحبة الشديدة إنما حصلت عن ذكر الله وأمره لا عن الشهوة والهوى ، وأما الاحتمال الرابع فلم يقل به أحد وإن أمكن توجيهه ببعض الوجوه السابقة ، فإذا
__________________
(١) في المصدر : عن الطاعة.
(٢) في المصدر : يحسنه.
(٣) الروقة في الخيل : حسن الخلق يعجب الناظر.
(٤) من سبل المال : جعله في سبيل الله والخير.
(٥) مفاتيح الغيب ٧ : ١٣٦.