خلقه بالسجود له ، وقيل : إنه من كلام الهدهد قاله لقوم بلقيس حين وجدهم يسجدون لغير الله ، أو قاله لسليمان عند عوده إليه استنكارا لما وجدهم عليه ، والقراءة بالتشديد على معنى زين لهم الشيطان ضلالتهم لئلا يسجدوا لله « الذي يخرج الخبء في السموات والارض » الخب : المخبوء ، وهو ما أحاط به غيره حتى منع من إدراكه ، وما يوجده الله فيخرجه من العدم إلى الوجود يكون بهذه المنزلة ، وقيل : الخبء : الغيب ، وقيل : إن خبء السماوات المطر ، وخبء الارض النبات والاشجار « ويعلم ما تخفون وما تعلنون » أي يعلم السر و العلانية « الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم » من كلام الهدهد ، أو ابتداء إخبار من الله تعالى ، (١) فلما سمع سليمان ما اعتذر به الهدهد في تأخره « قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين » ثم كتب سليمان عليهالسلام كتابا وختمه بخاتمه ودفعه إليه فذاك قوله : « اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم » يعني إلى أهل سبأ « ثم تول عنهم » أي استتر منهم قريبا بعد إلقاء الكتاب إليهم « فانظر ماذا يرجعون » أي يرجع بعضهم إلى بعض من القول ، فمضى الهدهد بالكتاب فألقاه إليهم فلما رأته بلقيس « قالت » لقومها : « يا أيها الملا » أي أيها الاشراف « إني ألقي إلي كتاب كريم » قال قتادة : أتاها الهدهد وهي نائمة مستلقية على قفاها ، فألقى الكتاب على نحرها فقرأت الكتاب ، وقيل : كانت لها كوة مستقبلة للشمس تقع الشمس عند ما تطلع فيها ، فإذا نظرت إليها سجدت ، فجاء الهدهد إلى الكوة فسدها بجناحه ، فارتفعت الشمس ولم تعلم ، فقامت تنظر فرمى الكتاب إليها ، عن وهب وابن زيد ، فلما أخذت الكتاب جمعت الاشراف وهم ثلاثمائة واثنا عشر قبيلا ، (٢) ثم قالت لهم : « إني ألقي إلي كتاب كريم » سمته كريما لانه كان مختوما عن ابن عباس ، ويؤيده الحديث : إكرام الكتاب ختمه. وقيل : وصفته بالكريم لانه صدره ببسم الله الرحمن الرحيم ، وقيل : لحسن خطه وجودة لفظه وبيانه ، وقيل : لانه كان ممن يملك الانس والجن والطير ، وقد كانت سمعت بخبر سليمان فسمته كريما لانه من كريم رفيع الملك عظيم الجاه « إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم » معناه أن الكتاب من سليمان وأن المكتوب فيه : « بسم الله الرحمن الرحيم * ألا
__________________
(١) في المصدر : ههنا تمام الحكاية لما قاله الهدهد ، ويحتمل أن يكون ابتداء إخبار من الله تعالى.
(٢) » : قيلا.