من سدر قليل » والاثل : هو الطرفاء ولا ثمر له ، ووصف السدر بالقلة فإن جناه وهو النبق مما يطيب أكله ، ولذلك يغرس في البساتين « ذلك جزيناهم بما كفروا » بكفرانهم النعمة ، أو بكفرهم بالرسل ، إذ روي أنه بعث إليهم ثلاثة عشر نبيا فكذبوهم « وهل نجازي إلا الكفور » وهل نجازي بمثل مافعلنا بهم إلا البليغ في الكفران أو الكفر « وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها » بالتوسعة على أهلها وهي قرى الشام « قرى ظاهرة » متواصلة يظهر بعضها لبعض ، أو راكبة متن الطريق ، ظاهرة لابناء السبيل « وقدرنا فيها السير » بحيث يقيل الغادي في قرية ويبيت الرائح في قرية إلى أن يبلغ الشام « سيروا فيها » على إرادة القوم بلسان الحال أو المقال « ليالي وأياما » متى شئتم من ليل أو نهار « آمنين * فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا » أشروا النعمة وملوا العافية كبني إسرائيل ، فسألوا الله أن يجعل بينهم وبين الشام مفاوز ليتطاولوا فيها على الفقراء بركوب الرواحل وتزود الازواد ، فأجابهم الله بتخريب القرى المتوسطة « وظلموا أنفسهم » حيث بطروا النعمة ولم يعتدوا بها « فجعلناهم أحاديث » يتحدث الناس بهم تعجبا ، وضرب مثل فيقولون : تفرقوا أيدي سبأ « ومزقناهم كل ممزق » ففرقناهم غاية التفريق حتى لحق غسان منهم بالشام ، وأنمار بيثرب ، وجذام بتهامة ، والازد بعمان. (١)
وقال الطبرسي رحمه الله : روى الكلبي ، عن أبي صالح قال : ألقت طريفة الكاهنة إلى عمرو بن عامر الذي يقال له مزيقيا بن ماء السماء ، وكانت قد رأت في كهانتها أن سد مأرب سيخرب ، وأنه سيأتي سيل العرم فيخرب الجنتين ، فباع عمرو بن عامر أمواله و سارهو وقومه حتى انتهوا إلى مكة فأقاموا بها وما حولها ، فأصابتهم الحمى وكانوا ببلد لا يدرون فيه ما الحمى ، فدعوا طريفة وشكوا إليها الذي أصابهم ، فقالت لهم : قد أصابني الذي تشتكون وهو مفرق بيننا ، قالوا : فماذا تأمرين؟ قالت : من كان منكم ذا هم بعيد وجمل شديد ومزاد جديد فليلحق بقصر عمان المشيد ، فكانت أزد عمان ، ثم قالت : من كان منكم ذا جلد وقسر وصبر على أزمات الدهر (٢) فعليه بالاراك من بطن مر ، فكانت خزاعة. ثم قالت :
__________________
(١) انوار التنزيل ٢ : ٢٨٧ ٢٨٨.
(٢) الجلد : الشدة والقوة. والقسر : القهر والغلبة. وأزمات الدهر : شدائده وما يشد به الانسان من المكاره.