حدكم بالحاء المهملة أي بأسكم وسطوتكم او منعكم ورفعكم. قوله : ( وله جدكم ) بالجيم أي تجتهدوا بالخلاص من فتنته بمقاومته وقهره. ابن ميثم.
ساعة واحدة ، فمن ذا بعد إبليس يسلم على الله سبحانه بمثل معصية؟ كلا ماكان الله سبحانه ليدخل الجنة بشرا بأمر أخرج به منها ملكا ، إن حكمه في أهل السماء وأهل الارض لواحد ، وما بين الله وبين أحد من خلقه هوادة (١) في إباحة حمى حرمه على العالمين.
فاحذروا عباد الله أن يعديكم بدائه ، وأن يستفزكم بخيله ورجله ، (٢) فلعمري لقد فوق لكم سهم الوعيد ، وأغرق لكم بالنزع الشديد ، ورماكم من مكان قريب ، وقال : « رب بما أغويتني لازينن لهم في الارض ولاغوينهم أجمعين » قذفا بغيب بعيد ، ورجما بظن مصيب ، (٣) فصدقه به أبناء الحمية ، وإخوان العصبية ، وفرسان الكبر والجاهلية حتى إذا انقادت له الجامحة منكم ، واستحكمت الطماعية منه فيكم ، فنجمت الحال من السر الخفي إلى الامر الجلي ، استفحل سلطانه عليكم ، ودلف بجنوده نحوكم ، فأقحموكم ولجات الذل ، وأحلوكم ورطات القتل ، وأوطؤوكم إثخان الجراحة طعنا في عيونكم ، و حزا في حلوقكم ، ودقا لمناخركم ، وقصدا لمقاتلكم ، وسوقا بخزائم القهر إلى النار المعدة لكم (٤) فأصبح أعظم في دينكم جرحا ، وأورى في دنياكم قدحا ، من الذين أصبحتم لهم مناصبين ، وعليهم متألبين ، فاجعلوا عليه حدكم (٥) وله جدكم ، فلعمر الله لقد فخر على أصلكم ، ووقع في حسبكم ، ودفع في نسبكم ، وأجلب بخيله عليكم ، (٦) وقصد برجله (٧) بيلكم ، يقتنصونكم بكل مكان ، ويضربون منكم كل بنان ، لاتمتنعون بحيلة ، ولاتدفعون بعزيمة في حومة ذل ، وحلقة ضيق ، وعرصة موت ، وجولة بلاء ، فأطفئوا ما كمن في قلوبكم من نيران العصبية
__________________
(١) الهوادة : الميل واللين والرخصة.
(٢) في المصدر : وأن يستفزكم بندائه وأن يجلب عليكم بخيله ورجله.
(٣) في بعض النسخ : غير مصيب.
(٤) المصدر خال عن قوله : لكم.
(٥) الحد : البأس وما يعترى من الغضب.
(٦) في مجمع البحرين « اجلب عليهم » من الجلبة وهي الصياح أي صح عليهم بخيلك ورجلك واحشرهم عليهم ، يقال : جلب على فرسه جلبا أي استحثه للعدو وصاح به ليكون هو السابق ، و هو ضرب من الخديعة ، وأجلب فيه لغة.
(٧) أي برجالته ونصرائه.