حقكم باطلهم ، وهم أساس الفسوق ، وأحلاس العقوق ، اتخذهم إبليس مطايا ضلال ، و جندا بهم يصول على الناس ، وتراجمة ينطق على ألسنتهم استراقا لعقولكم ، ودخولا في عيونكم ، ونفثا في أسماعكم فجعلكم مرمى نبله ، (١) وموطئ قدمه ، ومأخذ يده ، فاعتبروا بما أصاب الامم المستكبرين من قبلكم من بأس الله وصولاته ، ووقائعه ومثلاته ، (٢) و اتعظوا بمثاوي خدودهم ، ومصارع جنوبهم ، واستعيذوا بالله من لواقح الكبر كما تستعيذونه من طوارق الدهر ، (٣) فلو رخص الله في الكبر لاحد من عباده لرخص فيه لخاصة أنبيائه ورسله ، (٤) ولكنه سبحانه كره إليهم التكابر ورضي لهم التواضع ، فألصقوا بالارض خدودهم ، وعفروا في التراب وجوههم ، وخفضوا أجنحتهم للمؤمنين ، وكانوا أقواما مستضعفين ، قد اختبرهم الله (٥) بالمخمصة ، وابتلاهم بالمجهدة ، وامتحنهم بالمخاوف ، و مخضهم بالمكاره ، (٦) فلا تعتبروا الرضى والسخط بالمال والولد جهلا بمواقع الفتنة والاختبار في مواضع الغنى والاقتار ، (٧) فقد قال سبحانه وتعالى : « أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون » فإن الله سبحانه يختبر عباده المستكبرين في أنفسهم بأوليائه المستضعفين في أعينهم ، ولقد دخل موسى بن عمران ومعه أخوه هارون عليهماالسلام على فرعون ، وعليهما مدارع الصوف ، وبأيديهما العصي فشرطا له إن أسلم بقاء ملكه ودوام عزه ، فقال : ألا تعجبون من هذين يشرطان لي دوام العز وبقاء الملك
__________________
(١) في نسخة : ونثا في اسماعكم. والنبل بالفتح : السهام.
(٢) المثلات بفتح فضم : العقوبات. والمثاوى جمع المثوى : المنزل. ومنازل الخدود : المواضع التي توضع الخدود عليها في القبور. ومصارع الجنوب : مطارحها على التراب.
(٣) الطوارق : الدواهي والتقلبات.
(٤) في نسخة : لخاصة أنبيائه وملائكته. وفي المصدر : لخاصة أنبيائه وأوليائه.
(٥) في المصدر : وقد اختبرهم الله.
(٦) من مخض اللبن : حركه ليخرج زبده. وفي نسخة : « محضهم » أي أخلصهم من العيوب و الشرك والنقيصة بسبب المكاره ، وفي اخرى « محصهم » أي ابتلاهم واختبرهم ، أو خلصهم مما يشوبهم من الذنوب وطهرهم منها.
(٧) الاقتار : الفقر. وفي المصدر : في مواضع الغنى والاقتدار ، وقد قال اه.