يمسخهم في الدنيا فإن المعد لهم من عذاب الآخرة أضعاف أضعاف عذاب المسخ. ثم قال عليهالسلام : أما إن هؤلاء الذين اعتدوا في السبت لو كانوا حين هموا بقبيح فعالهم سألوا ربهم بجاه محمد وآله الطيبين أن يعصمهم من ذلك لعصمهم ، وكذلك الناهون لهم لو سألوا الله عزوجل أن يعصمهم بجاه محمد وآله الطيبين لعصمهم ، ولكن الله عزوجل لم يلهمهم ذلك ولم يوفقهم له فجرت معلومات الله فيهم على ما كان سطر في اللوح المحفوظ. (١)
بيان : قال الطبرسي قدس الله روحه في قوله تعالى : « ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت » : أي الذين جاوزوا ما أمروا به من ترك الصيد يوم السبت ، وكانت الحيتان تجتمع في يوم السبت لامنها فحبسوها في السبت وأخذوها في الاحد ، فاعتدوا في السبت ، أي ظلموا وتجاوزوا ماحد لهم لان صيدها هو حبسها.
وروي عن الحسن أنهم اصطادوا يوم السبت مستحلين بعد مانهوا عنه. « فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين » هذا إخبار عن سرعة مسخه إياهم ، لا أن هناك أمرا ، ومعناه : جعلناهم قردة ، كقوله : « فقال لها وللارض ائتيا طوعا أو كرها ». (٢)
قال ابن عباس : فمسخهم الله عقوبة لهم ، وكانوا يتعاوون وبقوا ثلاثة أيام لم يأكلوا ولم يشربوا ولم يتناسلوا ، ثم أهلكهم الله تعالى وجاءت ريح فهبت بهم فألقتهم في الماء ، وما مسخ الله أمة إلا أهلكها ، فهذه القردة والخنازير ليست من نسل أولئك ، ولكن مسخ أولئك على صورة هؤلاء يدل عليه إجماع المسلمين على أنه ليس في القردة والخنازير من هو من أولاد آدم ، ولو كانت من أولاد الممسوخين لكانت من بني آدم. وقال مجاهد : لم يمسخوا قردة وإنما هو مثل ضربه الله كما قال : « كمثل الحمار يحمل أسفارا » (٣) وحكي عنه أيضا أنه قال : مسخت قلوبهم ، فجعلت كقلوب القردة لا تقبل وعظا ولا تتقي زجرا ، وهذان القولان يخالفان الظاهر الذي أكثر المفسرين عليه من غير ضرورة تدعو إليه.
__________________
(١) تفسير العسكري : ١٠٦ ١٠٨.
(٢) فصلت : ١١.
(٣) الجمعة : ٥.