هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب * وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ٣٤ ٤٠.
تفسير : قال المفسرون : الارض التي باركنا فيها هي الشام ، ووجه وصف الريح تارة بالعاصفة وأخرى بالرخاء بوجوه : الاول : أنها كانت تارة كذا وتارة كذا بحسب إرادته ، والثاني : أنها كانت في بدء الامر عاصفة لرفع البساط وقلعه ، ثم كانت تصير رخاء عند تسييرها ، والثالث : أن العصف عبارة عن سرعة سيرها والرخاوة عن كونها لينة طيبة في نفسها ، الرابع : أن الرخاوة كناية عن انقيادها له في كل ما أمرها به.
وقال الطبرسي رحمه الله : وقيل : كانت الريح تجري به في الغداة مسيرة شهر ، وفي الرواح كذلك ، وكان يسكن بعلبك ، (١) ويبنى له بيت المقدس ، ويحتاج إلى الخروج إليها وإلى غيرها ، قال وهب : وكان سليمان يخرج إلى مجلسه فتعكف عليه الطير ويقوم له الانس والجن حتى يجلس على سريره ويجتمع معه جنوده ، ثم تحمله الريح إلى حيث أراد.
قوله تعالى : « من يغوصون له » أي في البحر فيخرجون له الجواهر واللآلي « و يعملون عملا دون ذلك » أي سوى ذلك من الابنية كالمحاريب والتماثيل وغيرهما « وكنا لهم حافظين » لئلا يهربوا منه ويمتنعوا عليه ، وقيل : من أن يفسدوا ماعملوه. (٢)
قوله : « علما » قال : أي بالقضاء بين الخلق وبكلام الطير والدواب » وورث سليمان » فيه دلالة على أن الانبياء يورثون المال كتوريث غيرهم ، وقيل : إنه ورثه علمه ونبوته وملكه دون سائر أولاده ، (٣) والصحيح عند أهل البيت عليهمالسلام هو الاول « علمنا منطق الطير » أهل العربية يقولون : لا يطلق النطق على غير بني آدم ، وإنما يقال الصوت ،
__________________
(١) بعلبك بالفتح ثم السكون وفتح اللام والباء ثم الكاف مشددة : مدينة قديمة فيها ابنية عجيبة وآثار عظيمة وقصور على أساطين الرخام لا نظير لها في الدنيا ، بينها وبين دمشق ثلاثة ايام ، و قيل : اثنا عشر فرسخا من جهة الساحل ، وهو اسم مركب من بعل اسم صنم وبك ، اما اسم رجل او جعلوه يبك الاعناق اي يدقها. قاله ياقوت.
(٢) مجمع البيان ٧ : ٥٩.
(٣) في المصدر : ومعنى الميراث هنا انه قام مقامه في ذلك فاطلق عليه اسم الارث كما اطلق على الجنة اسم الارث ، عن الجبائي ، وهذا خلاف للظاهر ، والصحيح اه.