الرابع : وهو أعلى المعاني ولعله أصحّها وأجمعها وربما تندرج تلك الوجوه في طيّه ، وهو يحتاج الى بيان مقدمة تمهيدية تشمل على أمرين الاول : ان الولادة التي هي عبارة عن تكوّن شيء من شيء وانبثاق كائن من كائن آخر تقع في الخارج على ثلاثة أنواع :
١) : تولّد جسم من جسم ومادّي من مادّي كتولّد حيوان من حيوان ونبات من نبات ومعدن من معدن ومنه تولد انسان من آخر ، فيتحقق انتزاع النبوّة والأبوّة والأمومة ، وهذا هو التوالد الجسماني المحض :
٢) : تولّد روح من جسم كتولّد ارواح الحيوان من جسمه ؛ وتوالد أرواح البشر من أجسامها على ما حقّق في محله من ان النفس جسمانية الحدوث روحانية البقاء ، وان الروح تتكون من جسم الانسان او الحيوان كما تتكوّن الثمرة من الشجرة.
وأما أحاديث خلق الأرواح قبل الاجسام بألفي عام فهي محمولة على معان أخرى من الحكمة العالية والمعارف المتعالية مما لامجال لذكرها هنا ، وهذه الولادة برزخ بين الولادة الجسمانية المحضة والروحانية المحضة التي يأتى ذكرها لأنها روحانية جسمانية.
٣) : تولّد مجرد وروح من روح كتولّد النفوس الكلّية من العقول الكلّية في قوس النزول وتولد العقول الجزئية من النفوس الجزئية وتولد النفوس الجزئية من الأجسام الشخصية في قوس الصعود ، وقد قرر العرفاء الشامخون والحكماء الالهيون أنه لا تنافي بين أن يتولد شخص من آخر بالولادة الجسمانية ويكون الوالد متولداً من ولده بالولادة الروحانية ؛ فآدم ابوالبشر وابوالأنبياء وكذلك هو أب لخاتم الانبياء صلىاللهعليهوآله بالولادة الجسمانية ولكنّه متولد من محمّد صلىاللهعليهوآله بالولادة الروحانية ، ولعل اليه يشير شاعر العرفاء او عارف الشعراء ابن الفارض : (١)
__________________
(١) ابن الفارض هو شرف الدين ابوالقاسم عمر بن علي الحموي المصري العارف المشهور صاحب القصيدة التائية المعروفة = تائية الصغرى والكبرى = توفى سنة : (٦٣٢) ه بالقاهرة.