وكلا ولقد احسن العارف ابن الفارض فما فرض في احدى عرفانياته حيث قال :
وعلى افتتان الواصفين بوصفه |
|
يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف |
ولعل من قال انّ القرآن لم يفسر حتى الآن لم يبالغ فيما قال كل ذلك لتعاظم القرآن وتساميه ، وارتفاع أفق أسراره عن أفق ادراك البشر.
ومن هذا القبيل وعلى هذا السبيل فاجعة الطف التي حدثت عام احدى وستين هجرية ، ولا يزال المؤرخون وأرباب السير والمقاتل والفلاسفة والأدباء وكتبة الشرق والغرب يكتبون عنها باحثين عن جريان سيرها وتسلسل اسبابها ، وأليم وقعها ، وعظيم هولها نظما ونثراً ، وتمثيلا وتحليلا ، حتى لو أمكن تعداد نجوم السماء ، وجاز الصعود الى الجوزاء أمكن احصاء كل ما قيل وما نظم وما نثر في هذه الحادثة النكراء التي ما حدث في عصر من العصور نظيرها ولاحدث التاريخ بمثلها ، ولكن كأن كل من كتب فيها اوجز او أطنب وقصر او أطفل ما اعترضها الا من ناحيتها السطحية ولا تنالها الاّ من وجهتها التاريخية ، وما أقل من استطاع سبر جرحها الدامي وغورها العميق ، وأسرارها الغامضة من كل ناحية من نواحيها وكل فصل من فصولها ، لانه على الغالب غير مستطاع لهم ولا تصل الى أقله أكثر او اكبر مداركهم.
على القاعدة التي افتتحنا بها كلمتنا من
أن الشيء كلما ازداد عزمة تزداد فيه الحيرة ، فترتبك الافهام ، وتقف الاقلام ، وتعجز الارقام ، قل لي بربك : ريشة أيّ رسّام مصور مهما كان فنانا بارعا ومصورا ماهراً يستطيع أن يمثل ويصور لك حالة الحسين سلام الله عليه بعد الظهر بساعتين من يوم عاشوراء بعد مصرع جميع أولاده واخوته وبني أخيه وبني عمومته جعفر وعقيل وجمهرة أصحابه حتى الاطفال والشباب الذي لم يبلغ الحلم ، فهاهي جثثهم على رقعة الارض المحمّرة