اجتهاده ؛ وقد يردّه آخر لعيوب يجدها فيه او معارض أقوى حسب اجتهاده ايضاً ، ومن هنا تعرف حريتهم الفكرية كيف ترامت الى أمد بعيد قد تجاوز الحدود واخترق التخوم ، ومنه تعرف ايضا تأثير انفتاح باب الاجتهاد على الفقه ، فان هذا الانفتاح قد شحذ أذهانهم ، وفتق قرائحهم ، وفتح لهم مدائن واسعة في الفروع والاصول يعرف ذلك جلياً من راجع مؤلفاتهم في الفقه والاصول ، من المتقدّمين والمتوسّطين والمتأخرين.
ولولا انحراف الصّحة ، وضعف القوى ، وسوء ملكة العلل والاسقام لنا ساعة كتابتي هذه لذكرت نبذة وافية من الشواهد على ما كان له من التأثير على الفقه الشيعي ، بل قد تجاوز ذلك الى تأثيره على الأدب العربي ، والشعر البديع فقد كان لأكثر فقهائنا ، حتى من غير العرب نصيب من الادب العالى والشعر الرائق والمؤلّفات النفيسة في انواع علوم العربية حتى متن اللغة ولو نظرت الى ( طراز اللغة ) لسيّد عليخان صاحب السلافة الذي هو وان لم يكمل أضعاف القاموس ، نعم لو نظرته لرأيت العجب من تلك السعة والاحاطة وحسن الذوق.
والخلاصة : أن انفتاح باب الاجتهاد لم يؤثر على الفقه عندهم فقط بل له تأثيره البليغ في سائر العلوم حتى الحساب والهندسة والفلك وما اليها واذا أردت أن تعرف الفرق بين فقههم وفقه بقية المذاهب الاسلامية فمن الجدير ان تسيم نظرك في مؤلّفنا الجديد الذي فرغنا من تأليفه وطبعه العام الماضي ، وهو كتاب ( تحرير المجلة ) في خمسة اجزاء ، الاربعة الاولى منه في العقود والمعاملات والالتزامات والضمانات والقضاء والمرافعات ، والخامس في ما يسمّونه اليوم بالحقوق الشخصية الذي استدركناه على أرباب المجلة.
وهذا البيان الوجيز وفق ما امكن لاوفق ما يلزم ، ولا زلتم موفّقين لخدمة المعارف بدعاء الأب الروحي.