ومن يتدبّر حلا العصور التي قبل الاسلام وما كان العالم فيه لا جزيرة العرب فقط ، بل حتى الدول العظمى في تلك القرون من الفرس والروم ، من يتدبر ما كانت فيه تلك الامم من الجهل والجور والاستبداد يعرف طوفان البلاء الذي غمر الدنيا يوم ذاك ، ويعرف شدة الحاجة الى من ينقذ ذلك الخلق البائس من تلك الغمرات ، فبعثت العناية الازلية المنقذ الاعظم حبيبه محمّداً صلىاللهعليهوآله ولكن قبل أن يتم رسالته ، وينقذ عموم البشر من ذلك الشر الذي توغل في النفوس واستفحل من عهد قديم قضت الحكمة أن يعود الى الملكوت الاعلى الذي جاء منه ، واكمالاً للرسالة ، وابلاغا للغاية أشار الى من يتم به الغرض ، وتقوم به الحجة ، فقال قبل رحلته بقليل : اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وبهذا اتجه أن يصدع الوحي بقوله تعالى : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي (١) وجد نبي الرحمة عند قرب رحيله أن العالم لا يزال بعد مغموراً بطوفان الجهالة : والضلالة لاتزال مستحكمة ، وأنه لابد لهذا الطوفان من سفينة تنجى من أراد النجاة ؛ فقال : أهل بيتي هم السفينة ، وفي دعاء شعبان : اللهم صل على محمّد وآله الفلك الجارية في اللجج الغامرة ، يأمن من ركبها ويغرق من تركها. بيد ان سفينة نوح ما نجت من الطوفان ورست على الجودي الاّ محمّد وآله كما أشار الى ذلك العباس بن عبدالمطلب (٢) في مقطوعة تنسب اليه يمدح ابن أخيه صلىاللهعليهوآله فيقول :
من قبلها طبت في الظلال وفي |
|
مستخصف حيث يخصف الورق |
__________________
(١) سورة ٥ آية : ٦.
(٢) عباس بن عبدالمطلب عم رسول الله صلىاللهعليهوآله سيد من سادات اصحابه واصحاب اميرالمؤمنين عليهالسلام ولد قبل عام الفيل بثلاث سنين على قول الواقدي وقال ابن حجر في الاصابة : ولد قبل رسول الله صلىاللهعليهوآله بسنتين. كان طويلا جملا أبيض مات سنة اثنتين وثلاثين.
انظر تنقيح المقال ، ج ٢ ، ص ١٢١ ط النجف ، والاصابة ، ج ٢ ، ص ٢٦٣ ط مصر.