( ألا كل شيء ما خلا الله باطل ) (١)
وقد تضمنت هذه الكلمة في طيّاتها كل ما قاله العرفاء الشامخون من أنّ الاشياء أعدام اذ ليس الباطل الاّ العدم وليس الحق الاّ الوجود فالاشياء كلّها باطلة وأعدام وليس الحي والموجود الاّ واجب الوجود وهذا كل ما يقوله ويعتقده اولئك القوم أفاض الله سبحانه هذه الكلمة على لسان ذلك الشاعر العربي الذي عاش أكثر عمره في الجاهلية وأدرك في أخريات حياته شرف الاسلام فاسلم وقد صدق تلك الجوهرة الثمينة الصادق الامين ومثلها كلمة ولده صادق أهل البيت سلام الله عليه ( العبودية جوهرة كنهها الربوبية ) بل لو أمعنت النظر في جملة من مفردات القرآن المجيد تجدها وافية بذلك الغرض واضحة جلية مثل قوله تعالى : كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانْ (٢) و كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ (٣) فان المشتق حقيقة فيمن تلبس بالمبدء حالاً فكلّ شيء فان فعلاً وهالك حالاً لا أنّه سوف يهلك ويفنى.
ومهما أحاول أن أوضح الحقيقة أجدها عني أبعد من الشمس بيد أنّها أجلى منها وأنّى لهذا اليراع القصير والعقل الصغير أن يجرء فيتناول جرعة من ذلك البحر الغزير يا من بعد في دنوه ، ودنى في علوه ، ربنّا عليك توكلنا واليك انبنا واليك المصير ، سبحانك لا احصى ثناء عليك أنت كما اثنيت على نفسك وفوق ما يقول القائلون وانا لله وانا اليه راجعون.
__________________
وقال له عمر أنشدني من شعرك فقراء سورة البقرة وقال : ما كنت لاقول شعراً بعد اذ علمني الله سورة البقرة. الشعر والشعراء لابن قتيبة ، ص ٥٠ ط ١ مصر سنة ( ١٣٢٢ ه ).
(١) والمصرع الثاني قوله : ( وكل نعيم لامحالة زائل ) وبعده هذا البيت.
سوى جنة الفردوس ان نعميها |
|
يدوم وان الموت لابد نازل |
(٢) سورة الرحمن ، آية ٢٦.
(٣) سورة القصص ، آية ٨٨.