قوة التذكر والتفكر مادّية وقائمة في خلايا الدماغ لكان اللازم أن نضطر في كلّ سبع سنين الى تجديد كلّ ما علمناه وتعلمناه سابقاً ، والحالة المعلومة بالضرورة والوجدان عندنا انّ سيال المادة المتجدد والمجدد لما يندثر منا على الاتصال لم يحدث أدنى تغيير في ذاكرتنا ، ولم يطمس أيّ شعلة من علومنا ومعارفنا ، ولعمري أن هذا الأقوى دليل على وجود قوّة فينا مدركة شاعرة مجردة عن المادّة باقية بذاتها ، مستقلة في وجودها ، بقيومية مبدأها ، محتاجة الى آلاتها المادية في تصرفها متحدة معها في أدنى مراتبها ، ودثور المادة لا يستوجب دثورها ، ولا دثور شيء من كمالاتها وملكاتها ، ولا من مدركاتها ، ولا من معلوماتها ، كيف لا ولا تزال تخطر عليَّ بالنافي وقت الهرم أمور وقعت لنا ايّام الشباب بل ايّام الصبا وما قبله ، وكيف كان فانّ من الوضوح بمكان أنّ كل ما فينا يؤيد ثبات شخصيتنا وعدم تغييرها مع تغيّر وتبدل جميع ذرات اجسامنا ، ولمزيد الايضاح وبيان ما يتفرّع على هذا الاصل الرصين لا بدلنا من ذكر أصول في فصول للحصول على الوصول الى حل عقدة المعاد الجسماني التي أعضل حلها كما عرفت على أكبر حكماء الاسلام.
١ ـ فصل وأصل
قد تلونا عليك ما هو المعلوم لديك من أن
هذه الاجسام من الانسان والحيوان لا تعيش ولا تمتد حياتها الاّ بدعائم الحياة الثلاث الهواء والماء ، والغذاء ، وما
يلزمها من الحركة ، والحرارة والضياء ، ولكن لعلك تحسب ان الغذاء الذي نعيش به هو بذاته وصورته يكون جزء من أبداننا ومقوماً لاعضائنا وأنسجتنا كلاّ فان هذا الوهم يذهب شعاعاً عند أوّل نظرة عن تدبر وفكرة وذلك ان كسرة الخبز التي نأكلها وفدرة اللحم التي نمضغها وتدخل في جوفنا تعتور عليها عدة صور تخلع صورة وتلبس أخرى من الكيموس الى أن تصير دماً ، ثم توزعه العناية الكبرى