حيث شاؤوا ، فاتخذوا مال المسلمين دولاً ، وعباد الله خولاً ، وانتقضت بلاد المسلمين من جميع أقطارها عليه وعليهم الى أن حاصروه في داره ، وضايقوه على أن يخلع نفسه من الخلافة ، ويجعلها شورى بين المسلمين فتقاعس وتصلّب أولا ، ثم لما اشتد الحصار عليه وحبسوا عنه حتى الماء والطعام تراخت أعصابه ، ووهنت أطنابه ، وحاول أن يخمد نار الفتنة بخلع نفسه ، اجابة للثائرين الذين شددوا الحار فاحس بنو أمية وقيادتهم يومئذ بيد مروان في المدينة ، ومعاوية في الشام ، بأن صاحبهم اذا خلع نفسه فسوف يفلت الحبل من أيديهم ، وقد غلط الدهر أو غلط المسلمون غلظة يستحيل أن يعودوا لمثلها أبداً ، وبأى سابقة ، أو مكرمة لبني أمية أو جهاد في الاسلام يستحقّون أن تكون خلافة المسلمين في واحد منهم ، وهم اعداء الاسلام وخصومه في كل موقف من مواقفه ، وفي كل يوم من ايام ، أدرك كل ذلك مروان ومن معه من حزبه ، فتواطئوا مع زعيمهم بالشام أن يجهّزوا على صاحبهم فيقتلوه قبل أن يخلع نفسه وقبل ان يفلت حبل الحيلة من ايديهم ، نعم يقتلونه ويتخذون قتله ذريعة الى مطالبة فئة من المسلمين بدمه ؛ ويتظاهرون لسائر المسلمين بأنه قتل مظلوما ولابد من الاخذ بثاره فيكون أقوى وسيلة الى استرجاع الخلافة اليهم ، ولولا قتل عثمان وقميص عثمان لما صارت الخلافة الى معاوية ومروان وابناء مروان ، ولكان من المستحيل أن يحلموا بها في يقظة أو منام ، ولكن جاءت صاحبهم الاول من غير ثمن ، وقد دفعها اليه من قبله دفعا.
نعم اراد السابق أن يحولها عن بني هاشم
الى خصومهم الالدّاء بني أمية ففتل حبل الشورى ، وابرمه بحيث تصير الخلافة لامحالة الى عثمان وما اكتفى بذلك حتى نفخ روح الطموح اليها في نفس معاوية الطليق ابن الطليق ؛ وهو وأبوه اكبر الاعداء الالدّاء للاسلام ، كان كل سنة يحاسب عمّاله ويصادر أموالهم ، ويعاملهم بأشد الاحوال الاّ معاوية ، تتواتر الاخبار لديه بأن معاوية يسرف في صرف