لدىٰ المهندسين المكلفين بتشغيله وانصرف هو لشأنه ، فإنّ هذا المعمل يجري ويعمل ضمن أنظمة ثابتة حتىٰ مع غياب المهندس الذي أنشأ هذا المعمل . . . كذلك تتصور المعتزلة علاقة الله تعالىٰ بهذا الكون ، علاقة في مرحلة الحدوث فقط ، والانسان بعد ذلك يعمل باختياره وإرادته في الأرض ، وقد فوّض الله تعالىٰ إليه أمره كلّه ولم يكن بينه تعالىٰ وبين الإنسان من علاقة إلّا ما كان من أمر الإيجاد والابداع والخلق والتكوين في مرحلة الحدوث .
وهذا التصور يسلم عن نسبة الظلم إلىٰ الله تعالى ، ولكنّه يسلب سلطان الله عن الكون والإنسان ، ويحصر سلطان الله تعالىٰ علىٰ الكون في مرحلة واحدة ، ويقطع ـ نظرياً ـ إمداد الله تعالىٰ وتوفيقه وفضله عن حياة الإنسان ، ويذهب إلىٰ أنّ الله تعالىٰ خلق الإنسان ومنحه ما وهبه من المواهب ثمّ تركه وأوكله إلىٰ نفسه يواجه مصيره ومسؤولياته لوحده .
وأخطر ما في هذا الاتجاه ، بعد الجانب العقائدي والناحية العقلية ، أو قبلهما ، أنّه يقطع أو يضعف علاقة الإنسان بالله تعالىٰ في حياته اليومية وعمله وتحركه .
فإنّ أكثر اتصال الإنسان بالله تعالىٰ ليس من خلال ( العقيدة ) و ( العبادة ) فقط وإنّما من خلال حاجاته اليومية في حركته وعمله إلىٰ الله تعالىٰ ، وتأييده وإسناده وإمداده ، في السوق والبيت ، والعمل السياسي ، ومشاكله ومتاعبه .
وهذه المشاكل والمتاعب التي تواجه الإنسان هي التي تلجئه إلىٰ الله تعالىٰ وتربط ما بينه وبين الله تعالىٰ .