فأجابها أمير المؤمنين عليهالسلام : لا ويل لك ، بل الويل لشانئك ، نهنهي من غربك (١) يا بنت الصفوة وبقية النبوة ، فو الله ما ونيت في ديني ، ولا أخطأت مقدوري ، فإن كنت ترزءين البلغة فرزقك مضمون ، ولعيلتك مأمون ، وما أعد لك خير مما قطع عنك ، فاحتسبي.
فقالت : حسبي الله ( وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ).
ولندفع الإشكال الذي قلما لا يخطر بالبال عند سماع هذا الجواب والسؤال ، وهو :
أن اعتراض فاطمة عليهاالسلام على أمير المؤمنين عليهالسلام في ترك التعرض للخلافة ، وعدم نصرتها ، وتخطئته فيهما ـ مع علمها بإمامته ، ووجوب اتباعه وعصمته ، وأنه لم يفعل شيئا إلا بأمره تعالى ووصية الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ مما ينافي عصمتها وجلالتها.
فأقول : يمكن أن يجاب عنه : بأن هذه الكلمات صدرت منها عليهاالسلام لبعض المصالح ، ولم تكن واقعا منكرة لما فعله ، بل كانت راضية ، وإنما كان غرضها أن يتبين للناس قبح أعمالهم وشناعة أفعالهم ، وأن سكوته عليهالسلام ليس لرضاه بما أتوا به.
ومثل هذا كثيرا ما يقع في العادات والمحاورات ، كما أن ملكا يعاتب بعض خواصه في أمر بعض الرعايا ، مع علمه ببراءته من جنايتهم ، ليظهر لهم عظم جرمهم ، وأنه مما استوجب به أخص الناس بالملك منه المعاتبة.
ونظير ذلك ما فعله موسى عليهالسلام ـ لما رجع ( إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً ) من إلقائه الألواح ، وأخذه برأس أخيه يجره إليه ـ ولم يكن غرضه الإنكار على هارون ، بل أراد بذلك أن يعرف القوم عظم جنايتهم ، وشدة جرمهم ، كما مر الكلام فيه (٢).
__________________
(١) في ( ك ) : عزبك.
(٢) بحار الأنوار ١٣ ـ ١٩٥ ـ ٢٤٨.