والحاصل : أنّ الإنصاف أنّ المتبادر من النكرة المنفيّة هو المتبادر من سائر ألفاظ العموم من دون فرق أصلا ، والمراد منها عرفا هو المراد من غيرها وهي الأفراد على وجه الاستغراق ، ثمّ الظاهر منها هي السوريّة (١) كسائر أدوات العموم ، فإنّها بمنزلة ( لا ) التي لنفي الجنس مع مدخولها لعدم الفرق عرفا بين قولنا : لا شيء من الإنسان بحجر ـ مثلا ـ وقولنا : ليس أحد من الإنسان بحجر.
فمن هنا يتّجه دعوى أنّ مفهوم قوله عليه السلام : « إذا بلغ الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء » (٢) هو عموم السلب خاصّة.
ثمّ إنّه لا بأس بالتعرّض على نحو الإجمال للحديث (٣) المذكور وتوضيح ما هو الظاهر منه.
فاعلم : أنّ المراد بالشيء الظاهر أنّه هو المقتضي للتنجيس ، لا كلّ شيء ، إذ لا معنى لتعليق عدم تنجّس (٤) الماء بملاقاة ما لا يقتضي التنجيس على بلوغه حدّ الكرّ ، فإنّ عدم تنجّسه بملاقاته ـ حينئذ ـ غير متوقّف على بلوغه حدّ الكرّ ، بل هو حاصل في نفسه من غير توقّف على سبب من الأسباب ، لكفاية عدم كون ذلك الشيء مقتضيا للتنجيس في بقاء طهارته وعدم تنجّسه به.
__________________
(١) اعلم أنّ سوريّة ألفاظ العموم لا تختصّ بالقضايا ، بل تجري في غيرها من الجمل الإنشائية ، فإنّها إنّما يؤتى بها لأجل ضبط موضوع الحكم ـ عند تنكيره ـ على وجه الاختصار تسهيلا ، سواء كان ذلك الحكم إنشاء أو إخبارا ، فلا تغفل. منه طاب ثراه
(٢) قد مرّ تخريجه قريبا.
(٣) في النسخة المستنسخة : بالحديث ..
(٤) في النسخة المستنسخة : ( عدم تنجيس ). والصحيح ما أثبتناه.