الحرج عن الفعل والترك ـ موافقان ، وإنّما يختلفان من حيث المدرك ، فإنه إمكان الحكم بنفي الحرج من جهة عدم البيان المأخوذ في دليل أصالة البراءة عقلا ونقلا أيضا ، فيكون ذلك هي أصالة البراءة ، وإن كان من جهة الاضطرار إلى أحد من الفعل والترك مع عدم مرجّح لأحدهما بالخصوص ، فيكون ذلك هو التخيير ، والمصنّف حكم هناك من الجهة الثانية بتعريف الحكم به من جهة أدلّة البراءة. فراجع.
والحاصل : أنّ التخيير ـ قد يكون بين الحكمين ، وقد يكون بين الفعلين ، وقد يكون بين الفعل والترك ـ واحد (١) ، ومدركه في الكلّ الاضطرار إلى الإقدام إلى أحد الأمرين مع العجز عن الجمع بينهما مع عدم مرجّح لخصوص أحدهما ومعيّن له على المكلّف ، سواء كان الاضطرار والعجز كلاهما عقليين كما في الصورة المذكورة ، أو شرعيين كما إذا وجب شرعا شرب أحد من الفقّاع أو الخمر ـ مثلا ـ دواء عن مرض يخاف منه على نفسه ، فإنّ اضطراره إلى أحدهما شرعي ، وكذا العجز عن الجمع بينهما ، أو مختلفين كما في المتزاحمين المتساويين عن المكلّف ، فهو لا ينحصر فيها إذا كان طرفاه فعلين أو حكمين ، بل يجري في فعل شيء واحد.
وقوله : ويغاير أصالة البراءة من أنه مبنيّ على المقدّمات الثلاث المذكورة ، وأصالة البراءة مبناها عدم البيان.
وممّا ذكرنا ـ أنّ النّظر في التخيير إنّما هو إلى المقدّمات الثلاث المذكورة التي ليس شيء منها الجهل ـ أنه حقيقة (٢) خارج عن القواعد المقررة للشكّ ، بل إنما هو من الأصول العقلية المقررة للمضطرّ العاجز الّذي لا ترجيح له لأحد
__________________
(١) كذا ، والأصحّ : وهو في الجميع واحد ..
(٢) كذا في النسخة ( أ ) ، والصحيح : ظهر أنه حقيقة ..