نصف العيش ثم قال أبو عبد الله عليهالسلام خالطوا الأبرار سرا وخالطوا الفجار جهارا ولا تميلوا عليهم فيظلموكم فإنه سيأتي عليكم زمان لا ينجو فيه من ذوي الدين إلا من ظنوا أنه أبله وصبر نفسه على أن يقال [ له ] إنه أبله لا عقل له.
______________________________________________________
ويكون تفننا في العبارة ، فالغرض بيان أن المداراة والرفق بالعباد لهما مدخل عظيم في صلاح أمور الدين وتعيش الدنيا ، والثاني ظاهر والأول لأنه إطاعة لأمر الشارع حيث أمر به وموجب لهداية الخلق وإرشادهم بأحسن الوجوه كما قال تعالى : « ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ » (١) والعيش الحياة والمراد هنا التعيش الحسن برفاهية « خالطوا الأبرار سرا » أي أحبوهم بقلوبكم أو أفشوا إليهم أسراركم بخلاف الفجار فإنه إنما يحسن مخالطتهم في الظاهر للتقية والمداراة ، ولا يجوز مودتهم قلبا من حيث فسقهم وليسوا محالا لأسرار المؤمنين ، وبين عليهالسلام ذلك بقوله : ولا تميلوا عليهم ، على بناء المجرد ، والتعدية بعلى للضرر أي لا تعارضوهم إرادة للغلبة ، قال في المصباح : مال الحاكم في حكمه ميلا جار وظلم فهو مائل ، ومال عليهم الدهر أصابهم بجوانحه.
وفي النهاية : فيه لا يهلك أمتي حتى يكون بينهم التمايل والتمايز ، أي لا يكون لهم سلطان يكف الناس عن التظالم فيميل بعضهم على بعض بالأذى والحيف ، انتهى.
وقيل : هو على بناء الأفعال أو التفعيل أي لا تعارضوهم لتميلوهم من مذهب إلى مذهب آخر وهو تكلف وإن كان أنسب بما بعده ، وفي القاموس : رجل أبله بين البله والبلاهة : غافل أو عن الشر أو أحمق لا تمييز له ، والميت الداء ، أي من شره ميت ، والحسن الخلق القليل الفطنة لمداق الأمور أو من غلبة سلامة الصدر.
__________________
(١) سورة النحل : ١٢٥.