القسمة الانفكاكية متحركه لذاتها حركات دائمة ثم اتفق في تلك الاجزاء أن تصادمت على وجه خاص ، فحصل من تصادمها على ذلك الوجه هذا العالم على هذا الشكل فحدثت السماوات والعناصر ، ثم حدثت من الحركات السماوية امتزاجات هذه العناصر ، ومنها هذه المركبات. ونقل الشيخ في الشفاء عنه أنه قال : إن هذه الاجزاء إنما تتخالف بالشكل وإن جوهرها جوهر واحد بالطبع ، وإنما تصدر عنها أفعال مختلفة لاجل الاشكال المختلفة. وقالت الثنوية : أصل العالم هو النور والظلمة. والفرقة الثانية الذين قالوا أصل العالم ليس بجسم ، وهم فريقان :
الاول الجرمانية ، وهم الذين أثبتوا القدماء الخمسة : البارئ تعالى ، والنفس والهيولى ، والدهر ، والخلاء. قالوا : البارئ تعالى في غاية التمام في العلم والحكمة لايعرض له سهو ولا غفلة ، [ و ] يفيض عنه العقل كفيض النور عن القرص ، وهو يعلم الاشياء علما تاما ، وأما النفس فإنه يفيض عنه الحياة فيض النور عن القرص لكنها جاهلة لا تعلم الاشياء ما لم تمارسها ، وكان البارئ تعالى عالما بأن النفس تستميل إلى التعلق بالهيولى وتعشقها وتطلب اللذة الجسمية وتكره مفارقة الاجساد وتنسى نفسها ، ولما كان من شأن البارئ تعالى الحكمة التامة عمد إلى الهيولى بعد تعلق النفس بها ، فركبها ضروبا من التركيب ، مثل السماوات والعناصر ، وركب أجسام الحيوانات على الوجه الاكمل ، والذي بقي فيها من الفساد غير ممكن الزوال. ثم إن الله تعالى أفاض على النفس عقلا وإدراكا وصار ذلك سببا لتذكرها عالمها ، وسببا لعلمها بأنها لا تنفك عن الآلام مادامت في العالم الهيولاني ، وإذا عرفت النفس هذا وعرفت أن لها في عالمها اللذات الخالية عن الالم اشتقات إلى ذلك العالم ، وعرجت بعد المفارقة ، وبقيت هناك أبدالآبادفي نهاية البهجة والسعادة. قالوا : وبهذا الطريق زالت الشبهات الدائرة بين الفلاسفة القائلين بالقدم ، وبين المتكلمين القائلين بالحدث.
الفريق الثانى أصحاب فيثاغورس ، وهم الذين قالوا : المبادئ هي الاعداد المتولدة من الوحدات ، لان قوام المركبات بالبسائط وهي امور كل واحد منها واحد في نفسه ، ثم تلك الامور إما أن تكون لها جهات وراء كونها وحدات أولا