بأنفسها غير مركبة ، فمن امتزاج الحرارة واليبس حصلت النار ، ومن الرطوبة و البرد حدث الماء ، ومن الحرارة والرطوبة حدث الهواء ، ومن امتزاج البرد و اليبس حصلت الارض ، ثم قال : إن الحرارة لما حركت طبيعة الماء والارض تحرك الماء للطفه عن ثقل الارض ، وانقلب ما أصابه من الحر فصار بخارا لطيفا هوائيا رقيقا روحانيا ، وهو أول دخان طلع من أسفل الماء وامتزج بالهواء فسما إلى العلو لخفته ولطافته ، وبلغ الغاية في صعوده على قدرقوته ونفرته من الحرارة ، ثم وقف فكان منه الفلك الاعلى ، وهو فلك زخل ، ثم حركت النار الماء أيضا فطلع منه دخان هو أقل لطفا مما صعد أو لا وأضعف ، فلما صار بخارا سما إلى العلو بجوهره ولطافته ولم يبلغ فلك زحل لقلة لطافته عما قبله فكان منه الفلك الثاني ، وهو فلك المشتري ، وهكذا بين طلوع الدخان مرة مرة وتكون الافلاك الخمسة الباقية عنه. ثم قال : والافلاك السبعة بعضها في جوف بعض ، وبين كل فلكين منها هواء واسع مملو أجزاء لا تتحرك.
ونقل صاحب الملل والنحل عن « فلو طرخيس » أيضا من الحكماء القدماء أنه قال : أصل المركبات هو الماء ، فإذا تخلخل صافيا وجدت النار ، وإذا تخلخل وفيه بعض الثقل صار هواء ، وإذا تكاثف تكاثقا مبسوطا بالغا صار أرضا. وقد مر نقلا من التورية أن مبدء الخلق جوهر خلقه الله ثم نظر إليه نظر الهيبة فذابت أجزاؤه فصارت ماء إلى آخر ما مر ، وقريب منه مارواه العامة عن كعب أنه قال : إن الله خلق ياقوتة خضراء ثم نظر إليها بالهيبة فصارت ماء يرتعد ، ثم خلق الريح فجعل الماء على متنها ، ثم وضع العرش على الماء ، كما قال تعالى « وكان عرشه على الماء ».
وقيل : أول المخلوقات الهواء ، كما دل عليه ما ذكره علي بن إبراهيم في تفسيره ، والظاهر أنه اخذ من خبر ، لكن لا تعارض به الاخبار الكثيرة المسندة ومع صحته يمكن الجمع بحمل أولية الماء على التقدم الاضافي بالنسبة إلى الاجسام المشاهدة المحسوسة التي يدركها جميع الخلق ، فإن الهواء ليس منها ، و