منها إذ صنعه ، ولم يؤده منها خلق ما برأه وخلقه (١) ، ولم يكونها لتشديد سلطان ولا لخوف من زوال ونقصان ، ولا للاستعانة بها على ند مكاثر ، ولا للاحتراز بها من ضد مثاور ، ولا للازدياد بها في ملكه ، ولا لمكاثرة شريك في شركه ، ولا لوحشة كانت منه فأراد أن يستأنس إليها ، ثم هو يفنيها بعد تكوينها لا لسأم دخل عليه في تصريفها وتدبيرها ، ولا لراحة واصلة إليه ، ولا لثقل شئ منها عليه ، لم يمله طول بقائها فيدعوه إلى سرعة إفنائها ، لكنه سبحانه دبرها بلطفه وأمسكها بأمره ، و أتقنها بقدرته ، ثم يعيدها بعد الفناء من غير حاجة منه إليها ، ولا استعانة بشئ منها عليها ، ولا لا نصراف من حال وحشة إلى حال استئناس ، ولا من حال جهل وعمى إلى علم (٢) والتماس ، ولا من فقر وحاجة إلى غنى وكثرة ، ولا من ذل وضعة إلى عز وقدرة (٣).
ايضاح : « الدال على قدمه بحدوث خلقه » فيه وفيما بعده دلالة على أن علة الفاقة إلى المؤثر الحدوث ، وأنه لا يعقل التأثير في الازلي القديم (٤). وكذا
____________________
(١) في المصدر : ما خلقه وبرأه.
(٢) في المصدر : إلى حال علم.
(٣) نهج البلاغة : ج ١ ، ص ٣٥٤.
(٤) الحدوث والقدم قد يستعملان بمعنى المسبوقية بالعدم الذاتى ومقابلها ، وقد يستعملان بمعنى المسبوقية بالعدم الزمانى ومقابلها فان كان المراد بهما في كلامه عليهالسلام المعنى الاول كان المعنى أن العالم لمكان إمكانه يدل على وجود الواجب. وان كان المراد بالحدوث الحدوث الزمانى وبالقدم ، القدم الذاتى كان المعنى أن الحدوث الزمانى في الزمانيات دليل على وجود الواجب ، وذلك لان الحدوث تغير والتغير يختص بالممكن والممكن يحتاج إلى الواجب ، وايضا الحادث مسبوق بالعدم وكل ما كان كذلك أمكن عدمه فاحتاج في الوجود إلى الواجب ، وإن كان المراد بهما الحدوث والقدم الزمانيين كان المعنى أن الحدوث الزمانى في الزمانيات يدل على كون الواجب قديما غير مقيد بالزمان وذلك لان الحدوث نقص ومحدودية ووجود الواجب تام وفوق التمام فلا يتصف به. وإن كان المراد بالحدوث ، الحدوث الذاتى وبالقدم ، القدم الزمانى كان المعنى أن امكان الخلق يدل على قدم الواجب وعدم تقيده بالزمان لكنه في غاية البعد وعلى الاولين فكلامه عليهالسلام ناظر إلى إثبات الواجب وعلى الاخرين