والجن والشياطين والغيلان لكونها من قبيل المثل أو النفوس الناطقة المفارقة الظاهرة فيها ، وبه يظهر المجردات في صور مختلفة بالحسن والقبح ، واللطافه و الكثافة ، وغير ذلك بحسب استعداد القابل والفاعل ، وعليه بنوا أمر المعاد الجسماني فإن البدن المثالي الذي يتصرف فيه النفس حكمه حكم البدن الحسي في أن له جميع الحواس الظاهرة والباطنة فيلتذ (١) ويتألم باللذات والآلام الجسمانية وأيضا تكون من الصور المعلقة نورانية فيها نعيم السعداء ، وظلمانية فيها عذاب الاشقياء ، وكذا أمر المنامات وكثير من الادراكات ، فإن جميع ما يرى في المنام أو التخيل في اليقظة بل نشاهد في الامراض وعند غلبة الخوف ونحو ذلك من الصور المقدارية التي لا تحقق لها في عالم الحس كلها من عالم المثل ، وكذا كثير من الغرائب وخوارق العادات ، كما يحكى عن بعض الاولياء أنه مع إقامته ببلدته كان من حاضري المسجد الحرام أيام الحج ، وأنه ظهر من بعض جدران البيت أو خرج من بيت مسدود الابواب والكواء ، وأنه أحضر بعض الاشخاص والثمار أو غير ذلك من مسافة بعيدة جدا في زمان قريبة إلى غير ذلك ، والقائلون بهذا العالم منهم من يدعي ثبوته بالمكاشفة والتجارب الصحيحة ، ومنهم من يحتج بأن ما يشاهد من تلك الصور الجزئية ليست عدما صرفا ولا من عالم الماديات وهو ظاهر ، ولا من عالم العقل لكونها ذوات مقدار ، ولا مر تسمة في الاجزاء الدماغية لامتناع ارتسام الكبير في الصغير ، ولما كانت الدعوى عالية والشبه واهية كما سبق لم يلتفت إليه المحققون من الحكماء والمتكلمين « انتهى ».
ونقل بعضهم عن المعلم الاول في الرد على من قال : إن العالم الجسماني أكثر من واحد : وقد قالت متألهو الحكماء كهرمس ، وأنباذ قلس ، وفيثاغورس وأفلاطن وغيرهم من الافاضل القدماء إن في الوجود عوالم اخرى ذوات مقادير غير هذا العالم الذي نحن فيه وغير النفس والعقل ، وفيها العجائب والغرائب ، و فيها من البلاد والعباد ، والانهار والبحار والاشجار ، والصور المليحة والقبيحة
____________________
(١) فيتلذذ ( خ ).