على الابداع الذي هو الخلق الاول ، لانه ليس شئ قبله حتى يسبقه أيضا إبداع ولا كان شئ دائما معه ، والابداع متقدم على الحروف لوجودها به ، ومعنى كون الحروف غير دالة على معنى غير نفسها هو أن الحروف المفردة إنما وضعت للتركيب وليس لها معنى تدل عليه إلا بعد التركيب.
قوله عليهالسلام « بل خلق ساكن » أي نسبة وإضافة بين العلة والمعلول ، فكأنه ساكن فيهما ، أو عرض قائم بمحل لا يمكنه مفارقته. وقوله « لا يدركه بالسكون » أي أمر إضافي اعتباري ينتزعة العقل ، ولا يشار إليه في الخارج ولا يدرك بالحواس وإن كان ما يتعلق به من المحسوسات. وإنما قلنا إنه خلق ، لان هذه النسبة والتأثير غيره تعالى وهو محدث ، ولا يمكن نفي الوجود عنه رأسا لانه شئ حادث بعد أن لم يكن ، فله خروج عن كتم العدم ودخول في نحو من أنحاء الوجود وكل محدث معلول ، فلا يتوهم أنه خلق يحتاج إلى تأثير آخر وهكذا حتى يلزم التسلسل ، بل ليس في الحقيقة إلا الرب ومخلوقه الذي أوجده ، والايجاد معنى صار سببا لوجود المعلول بتأثيره تعالى ، فكل شئ خلقه الله لم يعد ولم يتجاوز أن يصدق عليه أن الله خلقه ، فهذا هو معنى الابداع لا غير ، وهذا المعنى يقع عليه حد ، وكل ما يقع عليه حد فهو خلق الله ، أو يقال : أشار بقوله « والله الذي أحدثه » إلى رفع توهم أنه مع كونه موجودا حادثا لا يجوز أن يستند إليه تعالى لانه حينئذ يجب أن يتعلق به إبداع آخر وهكذا إلى غير النهاية ، واستناد كل من هذه السلسلة موقوف على استناد سابقه فلا يحصل إلا بعد تحقق الامور الغير المتناهية وهو محال ، فكذا الموقوف عليه ، فأثبت عليهالسلام أولا استناده إليه تعالى من جهة أن الحادث بتبعية حادث آخر في مرتبته من محدث لا يتصور أن يكون مستندا إلى غيره ، ثم أيده ثانيا بنفي ثالث بينهما صالح لان يستند إليه كما هو المفروض ثم أكده ثالثا بنفي ثالث صالح لذلك مطلقا بناء على أن الكلام في مطلق الابداع ومن أفراده الابداع الاول الذي لا يتصور تقدم شئ عليه سوى الله تعالى ، فسائر