لم تزل مع المبدع. فأنكر عليه سائر الحكماء وقالوا : إن الهيولى لو كانت أزلية قديمة لما قبلت الصور ، ولما تغيرت من حال إلى حال ولما قبلت فعل غيرها ، إذ الازلي لا يتغير.
وقوله عليهالسلام « فمن أين جاءت هذه الالوان المختلفة » لعله مبني على ما زعموا من أن كل حادث لابدله من منشأ ومبدأ يشاكله ويناسبه في الذات والصفات فألزمه عليهالسلام بحسب معتقدة ، أو المراد أن الاحتياج إلى المادة إن كان لعجز الصانع تعالى عن إحداث شئ لم يكن فلابد من وجود الاشياء بصاتها في المادة حتى يخرجها منها! وهذا محال لاستلزامه كون المادة ذات حقائق متبائنة واتصافها بصفات متضادة ، وإن قلتم إنها مشتملة على بعضها فقد حكمتم بإحداث بعضها من غير مادة فليكن الجميع كذلك ، وإن قلتم إن جوهر المادة يتبدل جواهر (١) اخر ، وأعراضها أعراضا اخرى فقد حكمتم بفناء ما هو أزلي وهذا محال ، و بحدوث شئ آخر من غير شئ وهو مستلزم للمطلوب.
وأما ما ذكره عليهالسلام في الحيات والموت فيرجع إلى ما ذكرنا وملخصه أنه إما أن تكون مادة الكل حية بذاتها أوميتة بذاتها أو تكون الاشياء من أصلين أحدهما حي بذاته والآخر ميت ، وهذا أيضا يحتمل وجهين : أحدهما أن يكون كل شي مأخوذا من كل من الحي والميت ، والثاني أن يكون الحي مأخوذا من الحي والميت من الميت ، فأبطل عليهالسلام الاول بأنه لو حصل الميت بذاته عن الحي بذاته يلزم زوال الحياة الازلية من هذا الجزء من المادة وقد مر امتناعه أو تبدل الحقيقة الذي يحكم العقل ضرورة بامتناعه. ولو قيل بإعدام الحي وإنشاء الميت فيلزم المفسدة الاولى مع الاقرار بالمدعى وهو حدوث الشئ لا من شئ ، وبهذا يبطل الثاني وكذا الثالث ، لان الجزء الحي من المادة يجري فيه ما سبق إذا حصل منه ميت ، وأشار إليه بقوله « لان الحي لا يجيئ (٢) منه ميت » وأشار
____________________
(١) في بعض النسخ : جوهرا آخر.
(٢) في بعض النسخ : لا يحيى.