وتهزّؤوا به ، وأفشوا في قومهم الذي راجعوه به ، فقعدوا له صفّين على طريقه ، فلمّا مرّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بين صفّيهم كان لا يرفع رجليه ولا يضعهما إلاّ رضخوهما بالحجارة ـ وقد كانوا اعدوها ـ حتّى أدْموا رجليه ، فخلص منهم ورجلاه تسيلان الدماء ، فعمد إلى حائط من حوائطهم واستظلّ في ظلّ حَبَلة (١) منه وهو مكروبٌ موجع ، فإذا في الحائط عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ، فلمّا رآهما كره مكانهما لما يعلم من عداوتهما لله ورسوله ، فلمّا رأياه أرسلا إليه غلاماً لهما يدعى عدّاس وهو نصراني من أهل نينوى معه عنب ، فلمّا جاءه عدّاس قال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من أيّ أرض أنت»؟
قال : أنا من أهل نينوى.
فقال له صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من مدينة الرجل الصالح يونس بن متّى»؟
فقال له عدّاس : وما يدريك من يونس بن متّى؟
فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وكان لا يحقّر أحداً أن يبلّغه رسالة ربّه ـ : «أنا رسول الله والله تعالى أخبرني خبر يونس بن متّى».
فلمّا أخبره بما أوحى الله إليه من شأن يونس بن متّى خرّ عدّاس ساجداً لله ، وجعل يقبّل قدميه وهما تسيلان دماً.
فلمّا بصر عتبة وشيبة ما يصنع غلامهما سكتا ، فلمّا أتاهما قالا له : ما شأنك سجدت لمحمّد وقبّلت قدميه ولم نرك فعلته بأحد منّا؟
قال : هذا رجل صالح أخبرني بشيء عرفته من شأن رسول بعثه الله إلينا يدعى يونس بن متّى.
__________________
(١) الحَبلُ : شجر العنب ، واحدته حَبلَة. «لسان العرب ١١ : ١٣٨».