وأما الثانية : أنّه لمّا أراد أن يعبر الفرات ببابل اشتغل كثير من أصحابه بتعبير دوابّهم ورحالهم ، وصلّى بنفسه في طائفة معه العصر ، فلم يفرغ الناس من عبورهم حتّى غربت الشمس وفات كثيراً منهم الصلاة ، وفات جمهورهم فضل الجماعة معه ، فتكلّموا في ذلك ، فلمّا سمع كلامهم فيه سأل الله عزّوجلّ ردّ الشمس عليه فاجابه بردّها عليه ، فكانت في الأفق على الحالة التي تكون وقت العصر ، فلمّا سلّم بالقوم غابت فسمع لها وجيب شديد.
وفي ذلك يقول السيد الحميري :
ردت عَلَيهِ الشَّمسُ لمّا فاتَهُ |
|
وَقتُ الصَّلاةِ وَقَد دَنَت للمغربِ |
حَتّى تبلَّجَ نورها في وَقتِها |
|
لَلعَصرِ ثُمَّ هوت هَوِيَّ الكَوكَبِ |
وَعَليهِ قَد حُبِسَت بِبابلَ مَرّةً |
|
اُخرى وما حُبِست لِخلقٍ مُعرب |
إلاّ لَيُوشَعَ أَو لَهُ مِن بَعدهِ |
|
وَلِرَدِّها تَأوِيلُ أمرٍ مُعجب (١) |
ومن ذلك : ما رواه نقلة الأخبار من حديث الثعبان ، والأية فيه أنَّه كَان عليهالسلام يخطب ذات يوم على منبر الكوفة إذ ظهر ثعبان من جانب المنبر ، فجعل يرقى حتى دنا من منبره ، فارتاع لذلك الناس وهمّوا بقصده ودفعه عنه ، فاومأ إليهم بالكفّ عنه ، فلمّا صار إلى المرقاة التي كان أمير المؤمنين عليهالسلام قائماً عليها انحنى إلى الثعبان وتطاول الثعبان إليه حتّى التَقَمَ اُذنه ، وسكت الناس وتحيّروا لذلك ، فنقّ نقيقاً سمعه كثيرٌ منهم ، ثمّ إنّه زال عن مكانه وأمير المؤمنين عليهالسلام يحرّك شفتيه والثعبان كالمصغي إليه ، ثمّ
_________
=
وتذكرة الخواص : ٥٥ ، فتح الباري ٦ : ١٦٨ ، وانظر طرقه في تاريخ ابن عساكرـ ترجمة الامام علي (ع ) ـ ٢ : ٢٨٣ ـ ٣٠٥ ، والغدير ٣ : ١٢٧ ـ ١٤١.
(١)ارشاد المفيد ١ : ٣٤٦ ، مناقب ابن شهرآشوب ٢ : ٣١٨ وأورد الأبيات الشعرية في ص ٣١٧ كشف الغمة ١ : ٢٨٢ ، وباختلاف يسير دون ذكر أبيات السيد الحميري في إرشاد القلوب : ٢٢٧ ، ونحوه في إثبات الوصية ١ : ٣٤٦.