وجمعوهم فدفنوهم جميعاً معاً ودفنوا العبّاس بن عليَ في موضعه الذي قتلفيه على طريق الغاضريّة حيث قبره الأن.
فلما وصل رأس الحسين عليهالسلام ووصل ابن سعد من غد يوم وصوله جلس ابن زياد في قصر الإمارة وأذن للناس إذناً عاماً ، وأمر بإحضار الرأس فوضع بين يديه فجعل ينظر إليه ويتبسّم وبيده قضيب يضرب به ثناياه ، وكان إِلى جانبه زيد بن أرقم صاحب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وهو شيخ كبيرٌ ـ فقال : إرفع قضيبك عن هاتين الشفتين ، فوالله الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ما لا اُحصيه تترشفهما. ثمّ انتحب باكياً ، فقال له ابن زياد : أبكى الله عينك ، أتبكي لفتح الله ، والله لولا أنّك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك. فنهض زيد بن أرقم وصار إلى منزله.
واُدخل عيال الحسين عليهالسلام على ابن زياد ، فدخلت زينب اُخت الحسين في جملتهم متنكّرة وعليها أرذل ثيابها ، فمضت حتى جلست ناحية من القصر وحفّ بها إماؤها ، فقال ابن زياد : من هذه التي انحازت ومعها نساؤها؟ فلم تجبه زينب ، فأعاد ثانية وثالثة فقال له بعض إمائها : هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فاقبل عليها ابن زياد لعنه الله وقال : الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب اُحدوثتكم.
فقالت زينب : الحمد للّه الذي أكرمنا بنبيّه محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وطهّرنا من الرجس تطهيراً ، إنّما يفتضح الفاسق ، ويكذب الفاجر ، وهو غيرنا.
فقال ابن زياد : كيف رأيت فعل الله باهل بيتك؟
قالت : كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجّون إليه وتختصمون عنده.