لذلك الوحيد الّذي لم يشمّ رائحة أبيه ولا ذاق شفقة اُمّه.
أنظر يا أبا طالب أن يكون من جسدك بمنزلة كبدك ، فإنّي قد تركت بنيّ كلّهم ووصيتك به لاَنّك من اُمّ أبيه.
يا أبا طالب إن أدركت أيّامه فاعلم أنّي كنت من أبصر النّاس ومن أعلم الناس به ، وإن استطعت أن تتبعه فافعل ، وانصره بلسناك ويدك ومالك ، فإنّه والله سيسود ويملك ما لم يملك أحدٌ من بني آبائي.
يا أبا طالب ما أعلم أحداً من آبائك مات عنه أبوه على حال أبيه ولا اُمّه على حال اُمّه ، فاحفظه لوحدته ، هل قبلت وصيّتي؟
قال : نعم قد قبلت والله على ذلك شاهد.
قال عبد المطّلب : فمدّ يدك إليّ.
فمدّ يده إليه فضرب يده على يده ، ثمّ قال عبد المطلّب : الآن خفّف عليّ الموت ، ثمّ ضمّه إلى صدره ولم يزل يقبّله ويقول : أشهد أنّي لم اُقبّل أحداً من ولدي أطيب ريحاً منك ولا أحسن وجهاً منك. ويتمنّى أن يكون قد بقي حتّى يدرك زمانه. فمات عبد المطلّب وهو ابن ثمان سنين ، فضمّه أبو طالب إلى نفسه لا يفارقه ساعة من ليل ولا نهار ، وكان ينام معه حتّى بلغ ، لا يأتمن عليه أحداً (١).
ومن ذلك : حديث سيف بن ذي يزن ، والرواية بذلك مشهورة ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس قال : لمّا ظفر سيف بن ذي يزن بالحبشة ـ وذلك بعد مولود النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بسنتين ـ وفد العرب وأشرافها إليه وفيهم : عبد المطلب بن هاشم واُميّة بن عبد شمس ، وعبدالله بن جذعان ، وأسد بن خويلد ، ووهب بن عبد مناف ، وغيرهم من وجوه قريش ، فقدموا
__________________
(١) كمال الدين : ١٧١|٢٨.