وقيل لم يحرمه الله عليهم في التوراة وإنما حرم عليهم بعد التوراة بظلمهم وكفرهم وكانت بنو إسرائيل إذا أصابوا ذنبا عظيما حرم الله عليهم طعاما طيبا وصب عليهم رجزا وهو الموت وذلك قوله تعالى « فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ » (١).
وقيل لم يكن شيء من ذلك حراما عليهم في التوراة وإنما هو شيء حرموه على أنفسهم اتباعا لأبيهم وأضافوا تحريمه إلى الله فكذبهم الله تعالى (٢) فاحتج عليهم بالتوراة وأمرهم بالإتيان بها وبأن يقرءوا ما فيها فإنه كان في التوراة أنها كانت حلالا للأنبياء وإنما حرمها إسرائيل على نفسه فلم يجسروا على إتيانها لعلمهم بصدقه صلىاللهعليهوآله وكذبهم وكان ذلك دليلا على صحة نبوته « مِنْ بَعْدِ ذلِكَ » أي بعد قيام الحجة « فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ » لأنفسهم (٣).
وأقول ظاهره على بعض الوجوه تحليل ما حرموه على أنفسهم فتأمل.
« أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ » قد مر تفسيره في باب الأنعام « إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ » قيل أي إلا محرم ما يتلى عليكم كقوله « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ » أو إلا ما يتلى عليكم آية تحريمه « غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ » حال من الضمير في لكم وقيل من واو أوفوا وقيل استثناء وهو تعسف والصيد يحتمل المصدر والمفعول « وَأَنْتُمْ حُرُمٌ » حال عما استكن في محلي والحرم جمع حرام وهو المحرم وسيأتي تفسير الآيات في كتاب الحج إن شاء الله تعالى.
« وَالْمُنْخَنِقَةُ » قال الطبرسي رحمهالله تعالى هي التي تدخل رأسها بين شعبين من شجر فتختنق (٤) وتموت عن السدي وقيل هي التي تخنق بحبل الصائد وتموت
__________________
(١) النساء : ١٦٠.
(٢) أضاف في المصدر : وقال : قل يا محمد : « فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها » حتى يتبين انه كما قلت لا كما قلتم « إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ » في دعواكم ، فاحتج.
(٣) مجمع البيان ٢ : ٤٧٥.
(٤) في المصدر : بين شعبتين من شجرة فتنخنق.