إلى ماعملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا » (١) قال : أما والله إن كانت أعمالهم أشد بياضا من القباطي ولكن كانوا إذا عرض لهم حرام لم يدعوه (٢).
تبيين : « وقدمنا » أي عمدنا وقصدنا « إلى ماعملوا من عمل » كقرى الضيف ، وصلة الرحم ، وإغاثة الملهوف ، وغيرها « فجعلناه هباء منثورا » فلم يبق له أثر ، والهباء غباريرى في شعاع الشمس الطالع من الكوة من الهبوة وهو الغبار « والقباطي » بالفتح جمع القبطية بالكسر ثياب بيض دقاق من كتان تتخذ بمصر ، وقد يضم لانهم يغيرون في النسبة.
وفي المصباح القبطي بالضم ثوب من كتان رقيق يعمل بمصر نسبة إلى القبط على غير قياس فرقا بين الانسان والثوب وثياب قبطية أيضا بالضم ، والجمع قباطي انتهى.
وفيه دلالة على حبط الطاعات بالفسوق وخصه بعض المفسرين بالكفر ولا كلام فيه ، ولنذكرهنا مجملا من معاني الحبط والتكفير ، والاختلافات الواردة فيه :
اعلم أن الاحباط في عرف المتكلمين عبارة عن إبطال الحسنة بعدم ترتب مايتوقع منها عليها ، ويقابله التكفير وهو إسقاط السيئة بعدم جريان مقتضاها عليها فهوفي المعصية نقيض الاحباط في الطاعة والحبط والتكفير وإطلاقهما بهذين اللفظين ربما يساوقهما كثير من الايات والاخبار ، وقد اشتهر بين المتكلمين أن الوعيدية من المعتزلة وغيرهم يقولون : بالاحباط والتكفير ، دون من سواهم من الاشاعرة وغيرهم ، وهذا على إطلاقه غير صحيح ، فان أصل الاحباط والتكفير مما لايمكن إنكاره لاحد من المسلمين كما ظهر مما تلونا عليك ، فلابد أن يحرر مقصود كل طائفة ليتبين ماهو الحق فنقول : لاخلاف بين من يعتد به من أهل الاسلام في أن كل مؤمن صالح يدخل الجنة خالدا فيها حقيقة ، وكل كافر يدخل النار خالدا فيها كذلك ، وأما المؤمن الذي خلط عملا صالحا بعمل غير صالح ، فاختلفوا فيه فذهب بعض المرجئة إلى أن الايمان يحبط الزلات ، فلا عقاب على زلة مع الايمان
___________________
(١) الفرقان : ٢٣.
(٢) الكافى ج ٢ ص ٨١.