وإن كان غرضه كسب المال الحرام ، وجلب قلوب الخواص والعوام وأمثال ذلك فهي الرياسة الباطلة التي حذر عنها ، وأشد منها من ادعى ما ليس له بحق كالامامة والخلافة ، ومعارضة ائمة الحق فانه على حد الشرك بالله وقريب منه ما فعله الكذابون المتصنعون [ الذين كانوا في أعصار الائمة عليهمالسلام وكانوا يصدون الناس عن الرجوع إليهم كالحسن البصري وسفيان الثوري ] (١) وأبي حنيفة وأضرابهم.
ومن الرياسات المنقسمة إلى الحق والباطل ارتكاب الفتوى والتدريس والوعظ فمن كان أهلا لتلك الامور ، عالما بما يقول : متبعا للكتاب والسنة ، وكان غرضه هداية الخلق ، وتعليمهم مسائل دينهم ، فهو من الرياسة الحقة ، ويحتمل وجوبه إما عينا أو كفاية ، ومن لم يكن أهلا لذلك ، ويفسر الآيات برأيه ، والاخبار مع عدم فهمها ، ويفتي الناس بغير علم فهو ممن قال الله سبحانه فيهم «قل هل ننبئكم بالاخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحيوة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا» (٢).
وكذلك من هو أهل لتلك الامور من جهة العلم ، لكنه مراء متصنع ، يحرف الكلم عن مواضعه ويفتي الناس بخلاف ما يعلم ، أو كان غرضه محض الشهرة ، وجلب القلوب أو تحصيل الاموال والمناصب فهو ايضا من الهالكين ومنها أيضا إمامة الجمعة والجماعة ، فهذا أيضا إن كان أهله وصحت نيته فهو من الرياسات الحقة وإلا فهو ايضا من أهل الفساد.
والحاصل أن الرياسة إن كانت بجهة شرعية ولغرض صحيح ، فهي ممدوحة ولن كانت على غير الجهات الشرعية أو مقرونة بالاغراض الفاسدة ، فهي مذمومة فهذه الاخبار محمولة على أحد هذه الوجوه الباطلة ، أو على ما إذا كان المقصود نفس الرياسة والتسلط.
____________________
(١) ما بين العلامتين أضفناه من شرح الكافي ج ٢ ص ٢٧٧.
(٢) الكهف : ١٠٣ و ١٠٤.