فهذا هو الحب دون الاول ، فكذلك الجاه والمال قد يحب كل واحد منهما من هذين الوجهين ، فحبهما لاجل التوسل إلى مهمات البدن غير مذموم ، وحبهما لاعيانهما فيما يجاوز ضرورة البدن وحاجته مذموم ، ولكنه لا يوصف صاحبه بالفسق والعصيان ، ما لم يحمله الحب على مباشرة معصية ، وما لم يتوصل إلى اكتسابه بعبادة فان التوصل إلى المال والجاه بالعبادة خيانة على الدين ، وهو حرام ، وإليه يرجع معنى الرياء المحظور كما مر.
فان قلت : طلب الجاه والمنزلة في قلب استاذه وخادمه ورفيقه وسلطانه ومن يرتبط به أمره مباح على الاطلاق ، كيف ما كان؟ أو مباح إلى حد مخصوص أو على وجه مخصوص؟ فأقول : يطلب ذلك على ثلاثة أوجه : وجهان منها مباح ووجه منها محظور.
أما المحظور ، فهو أن يطلب قيام المنزلة في قلوبهم باعتقادهم فيه صفة هو منفك عنها ، مثل العلم والورع والنسب ، فيظهر لهم أنه علوي أو عالم أوورع ، ولا يكون كذلك ، فهذا حرام لانه تلبيس وكذب ، إما بالقول وإما بالفعل.
وأما المباح فهو أن يطلب المنزلة بصفة وهو متصف بها كقول يوسف عليهالسلام : «اجعلني على خزائن الارض إني حفيظ عليم» (١) فانه طلب المنزلة في قلبه بكونه حفيظا عليما ، وكان محتاجا إليه ، وكان صادقا فيه.
والثاني أن يطلب إخفاء عيب من عيوبه ، ومعصية من معاصيه ، حتى لا يعلمه فلا تزول منزلته به ، فهذا أيضا مباح لان حفظ الستر على القبايح جايز ، ولا يجوز هتك الستر ، وإظهار القبح ، فهذا ليس فيه تلبيس ، بل هو سد لطريق العلم بما لا فائدة في العلم به ، كالذي يخفي عن السلطان أنه يشرب الخمر ، ولا يلقى إليه أنه ورع ، فان قوله : «إني ورع» تلبيس ، وعدم إقراره بالشرب لا يوجب اعتقاده الورع ، بل يمنع العلم بالشرب.
ومن جملة المحظورات تحسين الصلاة بين يديه لان تحسن فيه اعتقاده ، فان
____________________
(١) يوسف : ٥٥.