«وشتت أمره» التشتيت التفريق لانه لعدم توكله على ربه لا ينظر إلا إلى الاسباب ويتوسل بكل سبب ووسيلة ، فيتحير في أمره ولا يدري وجه رزقه ولا ينتظم أحواله أو لشدة حرصه لا يقنع بما حصل له ويطلب الزيادة ولا يتيسر له فهو دائما في السعي والطلب ولا ينتفع بشئ ، وحمله على تفرق أمر الآخرة بعيد.
«ولم ينل من الدنيا إلا ما قسم له» يدل على أن الرزق مقسوم ، ولا يزيد بكثرة السعي ، كما قال تعالى «نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا» (١) ولذلك منع الصوفية من طلب الرزق ، والحق أن الطلب حسن ، وقد يكون واجبا وتقديره لا ينافي اشتراطه بالسعي والطلب ، ولزومه على الله بدون سعي غير معلوم وقيل قدر سد الرمق واجب على الله ، ويحتمل أن يكون التقدير مختلفا في صورتي الطلب وتركه بأن قدر الله تعالى قدرا من الرزق بدون الطلب ، لكن مع التوكل التام عليه ، وقدرا مع الطلب ، لكن شدة الحرص وكثرة السعي لا يزيده ، وبه يمكن الجمع بين أخبار هذا الباب وسيأتي القول فيه في كتاب التجارة إنشاء الله تعالى.
وقيل : المراد بقوله «لم ينل من الدنيا إلا ما قسم له» أنه لا ينتفع إلا بما قسم له ، وإن زاد بالسعي فانه يبقى للوارث ، وهو حظه ، وقيل : فيه إشارة إلى أن ذا المال الكثير قد لا ينتفع به بسبب مرض أو غيره ، وذا المال القليل ينتفع به أكثر منه ، ولا يخفى ما فيه.
«جعل الله الغنا في قلبه» اي بالتوكل على ربه والاعتماد عليه ، وإخراج الحرص وحب الدنيا من قلبه لا بكثرة المال وغيره ، ولذا نسبه إلى القلب.
«وجمع له أمره» اي جعل أحواله منتظمة وباله فارغا عن حب الدنيا وتشعب الفكر في طلبها.
٧ ـ كا : عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمد بن عمر فيما أعلم عن ابي علي الحذاء ، عن حريز ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : أبعد ما يكون
____________________
(١) الزخرف : ٣٢.