ولا يمكنه الاحتراز عن آفاتها ومصائبها ، فهو في الدنيا دائما في الغم لما فات والهم لما لم يحصل ، فاذا فات فهو في أحزان وحسرات من مفارقتها ، ولم يقدم منها شيئا ينفعه ، فهمه لا يغني أبدا ، والفرق بين الامل والرجاء أن متعلق الامل العمر والبقاء في الدنيا ، ومتعلق الرجاء ما سواه ، أو متعلق الامل بعيد الحصول ومتعلق الرجاء قريب الوصول ، ومعلوم أن محب الدنيا وطالبها يأمل منها ما لا مطمع في حصوله ، لكن لشدة حرصه يطلبه ويأمله ويرجو الانتفاع بها ، فيحول الاجل بينه وبينها ، أو يرجو الآخرة وجمعها مع الدنيا ، مع أنه لا يسعى لتحصيل الآخرة ويقصر همه على تحصيل الدنيا ونعم ما قيل :
يا طالب الرزق ... مجتهداً |
|
أقصر عناك فان الرزق مقسوم |
لا تحرصن على ما لست تدركه |
|
إن الحريص على الآمال محروم |
تتمة مهمة : قال بعض المحققين : اعلم أن معرفة ذم الدنيا لا يكفيك ما لم تعرف الدنيا المذمومة ، ما هي؟ وما الذي ينبغي أن يجتنب وما الذي لا يجتنب؟ فلا بد أن نبين الدنيا المذمومة المأمور باجتنابها ، لكونها عدوة قاطعة لطريق الله ، ما هي؟ فنقول :
دنياك وآخرتك عبارتان عن حالتين من أحوال قلبك والقريب الداني منهما يسمى دنيا ، وهي كل ما قبل الموت ، والمتراخي المتأخر يسمى آخرة ، وهي ما بعد الموت ، فكل مالك فيه حظ وغرض ونصيب وشهوة ولذة في عاجل الحال قبل الوفاة ، فهي الدنيا في حقك إلا أن جميع مالك إليه ميل وفيه نصيب وحظ فليس بمذموم ، بل هي تنقسم إلى ثلاثة اقسام :
الاول ما يصحبك في الدنيا ويبقى معك ثمرته بعد الموت ، وهو شيئان : العلم والعمل ، فقط ، وأعني بالعلم العلم بالله وصفاته وافعاله وملائكته وكتبه ورسله ، وملكوت أرضه وسمائه ، والعلم بشريعة نبيه ، وأعني بالعمل العبادة الخالصة لوجه الله ، وقد يأنس العالم بالعلم حتى يصير ذلك ألذ الاشياء عنده فيهجر النوم والمنكح والمشرب والمطعم في لذته ، لانه أشهى عنده من جميعها ، فقد